عكست الأعمال التي قدمها عدد من الراقصين المعاصرين السوريين ضمن الملتقى العربي للرقص (ليمون) الذي اختتم أمس في بيروت، أجواء النزاع الذي تشهده بلادهم، إذ صممت هذه اللوحات على «أنغام» الاحتجاجات الشعبية والمواجهات بين النظام ومعارضيه. وقال مدير مهرجان بيروت للرقص المعاصر «بايبود» الكوريغراف والراقص اللبناني عمر راجح، إن «التركيز في هذه الدورة كان على عمل الراقصين السوريين الذين قدّموا 11 لوحة راقصة على مدى يومين، بينها مشاهد من عروض لم تكتمل بعد، أو عروض عبر الفيديو، عكست أفكارهم وعبرت عن معاناتهم». ومن بين الذين قدموا عروضاً مصورة بالفيديو، الراقصة السورية مي سعيفان، مؤسِّسة فرقة «تنوين». والفيديو الذي قدمته تجريبي يقوم على أحلام السوريين التي عبروا عنها من خلال صفحة خاصة على موقع «فايسبوك». تقول: «الفيلم مزيج بين الحلم ورؤيتي الخاصة للموت والتكوين، وما يحدث الآن في سورية هو بمثابة مرحلة السكون التي تمرّ بها الشرنقة قبل أن تتحول». وكانت سعيفان غادرت سورية بعد خمسة أشهر من انطلاق الاحتجاجات لتزور ميونيخ مع عائلتها، لكنها سرعان ما استقرت هناك. وتشير إلى أن في ميونيخ «مساحة حرية، وفرصاً لتمويل الأعمال الفنية، وإمكانات ليطوّر الراقص نفسه، فوسائل المعرفة متاحة هناك أكثر من سورية». أما علاء كريمد (32 سنة)، وهو فلسطيني سوري أسّس فرقة «سيما» للرقص المعاصر، فحزم حقائبه واختار بيروت. «اتخذت قرار الانتقال إلى بيروت بسبب وضعي الحسّاس بشكل عام في سورية، وأظن أن بيروت بوابة أكبر من دمشق وعمّان بالنسبة للفنون»، يقول كريمد. ويضيف: «في لبنان الفرص التي تتاح أمام الراقص أهم من سورية. إذ إن لبنان منفتح اكثر والاتصالات فيه أسهل، مما يساهم في انطلاق الفنان إلى الخارج». وقدم علاء عرضاً راقصاً بعنوان «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»، هي بمثابة وقفة احتجاجية كان قدمها قبل 7 سنوات في المعهد العالي للفنون المسرحية حيث درس. ويفيد: «كدت أُفصل من المعهد بسبب هذا العرض الصوفي الذي ترقص فيه فتاة كالمولوية (الذين يشتهرون بالرقص الدائري)، إذ اعتبرته إدارة المعهد مخلّاً بالآداب». بعد خمسة أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سورية، غادر أياس المقداد (32 سنة) الذي درس الباليه في المعهد العالي للفنون المسرحية في مدينته درعا، إلى بلجيكا، ليدرس الإعلام ووسائله الجديدة. وقدم في بيروت مشهداً راقصاً بعنوان «أخي وأنا في الحرب»، على الإيقاع الصاخب للتظاهرات الاحتجاجية، وأصوات قياديين في المعارضة. وفي هذه اللوحة، يقف الراقص مكبلاً حيناً، وزاحفاً على الأرض حيناً آخر، مواجهاً خيال الجنود على الحائط الأبيض، إلى أن ينقطع البث في آخر المشهد. يقول المقداد: «أردت أن أجد طريقة أوقف بها هذا القتل الذي يحصل، بإعادة إنتاج وسائل الإعلام برؤيتي الخاصة، معتمداً على ألعاب الجنود والدبابات البلاستيكية التي استخدمتها من خلال خيال الظل». ويضيف: «كل السياسيين لا يعنون لي شيئاً، أياً كان الموقع الذي يشغلونه. ما يهمني هو الإنسان الذي يتعذب». وقرّر حسين خضور (22 سنة) أن يبقى في سورية وإلا يستقر في مكان آخر، ويقول: «ما يحدث في سورية يحرّض على العمل. الحرب تحفّزنا على التعبير. أعتقد أن بقائي في دمشق هو الخيار الأنسب». وقدم الراقص الشاب لوحة بعنوان «عاد إنساناً» تعبر عن الوضع في بلاده وعن «الخوف والعنف لكنها تحمل أملاً»، كما يقول. ويتحدث خضور عن تجربة إنتاج أشرطة فيديو تتضمن لوحات راقصة تبث على مواقع التواصل الاجتماعي، ويوضح: «لا يوجد إجمالاً جمهور للرقص في سورية، ولا مكان حالياً لأن يشاهدنا الناس، أما على الإنترنت فالجمهور واسع ويقدّر ما نفعل». وأعد خضور شريط فيديو عنوانه «نقطة الصفر» بثه على موقع «يوتيوب»، ويروي انه رقص على بقايا الزجاج في المعهد بعدما وقع انفجار ألحق ضرراً بالقاعة التي يتدرب فيها. وهنا تشيد سعيفان بمواهب الراقصين السوريين «والعروض الجميلة التي يقدمونها»، وتلاحظ «أن الحرب أخّرت انطلاقتهم». وقد ساهمت سعيفان في إرساء الرقص المعاصر في سورية، لكونها أول من درس هذا النوع من الرقص في ألمانيا. وتقول: «عدت إلى سورية بشكل نهائي في العام 2008 ونظمت قبل عامين مهرجان دمشق للرقص المعاصر، اضافة إلى ورشات عمل». ويقول مؤسس فرقة «سيما» للرقص المعاصر علاء كريمد: «الرقص في سورية لم يأخذ حقه بعد، ولا يزال الرقص المعاصر فناً جديداً». ويضيف: «مستوى الرقص المعاصر في سورية بات افضل بكثير من قبل وقطع مراحل كبيرة وباتت لدينا خبرة اكبر وراقصون، بعضهم درس أو شاهد عروضاً في الخارج».