تسعى ميساء (25 سنة) في كل مساء الى الانسحاب بخفة من حول طاولة العشاء من دون أن تترك انطباعاً لدى أهلها بأنها متلهفة لدخول أحد المواقع الألكترونية لاستئناف محادثة ما زالت معلقة مع صديق تعرفت إليه عبر الشبكة. ميساء التي التقت شاباً وسيماً عبر موقع «فايس بوك» تتسمر معظم أوقات فراغها أمام شاشة الكومبيوتر، وتشعر بإرباك وفوضى في المشاعر انتاباها بسبب انجذابها للوهلة الأولى لوسامته الظاهرة في صور استعرضها على صفحته. وعقب محادثات حميمة تجد الشابة نفسها غير قادرة على كبح عاطفتها، وفي اللحظات التي تنشغل فيها بمهمات وظيفتها الإدارية في إحدى الجامعات الخاصة في الأردن لا تكاد صوره ووقع كلامه تفارق تفكيرها. وفي كل مرة يستدعي فيها العقل خصمه على حلبة المواجهة تنتصر العاطفة لتعود ميساء إلى محادثاتها عبر الشبكة الالكترونية. وتتساءل ميساء طيلة الأوقات التي لا تتمكن فيها من مراسلته أثناء العمل، إذا ما كانت تعيش قصة حب حقيقية مع شريك المحادثة الالكترونية بعد أن تعلقت به وانتقلت معه إلى فصل جديد من الحوار عبر برنامج المحادثات الفورية (المسنجر)، حيث تصبح أقل تحفظاً في الحديث عن حياتها الخاصة واهتماماتها. لم تعد ميساء الشخصية الجادة ذاتها كما كانت، أصبح تفكيرها مشتتاً وبدت على الدوام حائرة. هي تدرك في قرارة نفسها إنها تعيش في وهم، لدرجة انها تتردد بمصارحة أقرب الصديقات بقصتها الإلكترونية. خاتمة المحادثات كانت لقاء ومن ثم فراق سريع لم يترك لبذرة الحب التي زرعتها فرصة الحياة. الوهم الذي بدأ في ساحة الموقع الإلكتروني صار هماً تستنجد ميساء لتجاوزه ومحو آثاره. في تلك المساحات الإلكترونية لا تزال تُكتب روايات وحكايات حب وأمل وخوف وكراهية نشأت عبر شبكات الإنترنت، وخلقت لمستخدميها عوالم افتراضية مثيرة خلفت لديهم ذكريات يصعب تجاوزها من دون مصارحة تنتهي بمصالحة ذاتية. وترى الباحثة هناء الرملي أن موقع «فايس بوك» بما يعرضه من صدقية تتضح من خلال استعراض مستخدميه للصور والمعلومات الشخصية الحقيقية منح البعض الفرصة لاستغلال مساحة الصدق لنصب كمائن الحب الوهمي. وتعتقد الرملي أن «بعض مستخدمي الموقع يحبذون تجميل أنفسهم، وإضافة هالة من الحضور تجتذب الطرف الآخر بمجرد تصفحة لما يُعرض على صفحاتهم، وإن كانت تحتمل زيفاً لا يعكس الشخصية الحقيقية لصاحبها». وتصف العلاقات التي تنشأ عبر الموقع، ومن خلال المحادثات بأنها وهم يعتاش على المشاعر الفياضة التي يصبح التمادي في التعبير عنها متاحاً، حيث تنعدم القيود الاجتماعية ورقابة الأهل. وما أن يحدث اللقاء يدرك أحد الطرفين أن ما كان يساوره من أحاسيس ما هو إلا وهم أجمل من الواقع لكنه لا يغني عنه. وبناء على دراسة أعدتها الرملي عن «العلاقات عبر الانترنت» تجد أن «الفتاة أكثر عرضة للخداع كونها مُعرضة للوقوع في شباك ينسجها الجنس الآخر لغايات التعارف والتسلية»، مشيرة إلى أن «النهايات السعيدة التي تصورها بعض وسائل الإعلام لا وجود لها في عالم الشبكة الإلكترونية، حيث يصبح الكذب أمراً وارداً». ويبلغ عدد مستخدمي الموقع من الأردنيين حوالى 158 ألفاً ومعظمهم من الفئة العمرية بين 15 و25 سنة وفقاً لدراسة أعدها برنامج تدعيم وسائل الإعلام الممول من الوكالة الأميركية للإنماء الدولي التى أشارت إلى «ارتفاع في أعداد الأردنيين المتصفحين للمواقع الإلكترونية الأردنية لتصل الى 36 في المئة في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 6 ملايين» . وبينت الدراسة أن «ثلثي المستخدمين هم من الذكور و67 في المئة هم من الفئة العمرية 15-29 سنة و60 في المئة من حملة شهادة الثانوية وما دون يقضون معظم أوقاتهم في تصفح المواقع الإلكترونية والدردشة ، و9 في المئة منهم يستخدمون موقع فايس بوك للتواصل الاجتماعي».