تشتعل ساحات الجامعات الأردنية، الحكومية منها أو الخاصة، في الآونة الأخيرة بمشاجرات قبلية تبدأ بين طالبين وسرعان ما تأخذ شكلاً عشائرياً، موقعة إصابات وقتلى أحياناً بين الطلاب، الذين لا علاقة لهم بالمشكلة سوى أنهم من أبناء عشيرتي المتشاجرين. وبحسب حملة الدفاع عن حقوق الطالب في الأردن «ذبحتونا» شهد الأسبوعان الأخيران من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي اندلاع 14 مشاجرة طلابية - قبلية في الجامعات، وهو ما يساوي نصف عدد المشاجرات التي تم رصدها طوال عام 2010، ما يؤشر إلى خلل خطير بدأ ينخر الجسم الأكاديمي. وهو ما يرجعه كثير من السياسيين، وعلى رأسهم الكاتب والسياسي الأردني رومان حداد، إلى رغبة الدولة في تحويل اهتمام المواطن من الانشغال في قضايا كبرى واستراتيجية إلى الانشغال بالهمّ اليومي والرغيف، ما أحدث إزاحات نوعية في تركيبة المواطن والمجتمع والوسائل التي يعترف بها هذا المجتمع للتعامل مع والتنفيس عن الضغوط التي يتعرض لها يومياً. وهنالك عشر جامعات حكومية في الأردن معظمها مرتبط بجامعات في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى سبع عشرة جامعة خاصة معترف بها على مستوى الدول العربية، وبعض الجامعات الأجنبية كالجامعة الأميركية والجامعة الألمانية الأردنية. وبحسب هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي في الأردن فان آخر الإحصاءات الخاصة بالتعليم العالي تظهر أنه وحتى عام 2010 بلغ عدد الطلاب الإجمالي في الجامعات الأردنية 243 ألفاً و251 طالباً وطالبة ونحو 7 آلاف عضو هيئة تدريس. وتدق حملة «ذبحتونا» ناقوس الخطر من أن العنف الجامعي هو انعكاس للعنف المجتمعي وتحذر من أن العراك الطالبي بدأ ينحو منحى خطيراً يتمثل باستخدام الأسلحة الحية داخل أسوار الجامعة بما فيها الأسلحة الرشاشة، وجلب عشرات الشباب من خارج أسوار الجامعة للمشاركة في المشاجرات بالإضافة إلى نقل المشاجرات من الحيز الطالبي إلى الحيز العشائري لتمتد إلى المحافظات والمدن كما حدث في جامعات الحسين والبلقاء واليرموك, ما يستلزم اللجوء إلى الأجهزة الأمنية لفض الاشتباكات. وترى الحملة إن هذا الحجم من التفاقم لمشاجرة طالبية صغيرة وتحولها إلى مشاجرة على مستوى منطقة أو محافظة «يوقظ مخاوف من أن يكون الأمر مخططاً له وليس وليد المصادفة». ويرى الطالب سامي أمين من جامعة البلقاء التطبيقية في مدينة السلط (15 كلم غرب عمان) أن أبرز الأسباب التي تقف وراء العنف في الجامعات هو «ضعف الوازع الديني لدى بعض الطلاب، وعدم انخراطهم في الحياة السياسية، إضافة إلى الأفكار المحدودة لدى الطلاب والتي تقتصر على أمور شكلية». أما روان الطالبة في الجامعة نفسها فترى أن نقص الانضباط والوعي لدى الطلاب يعزز ظاهرة العنف، مشيرة إلى أن أسباباً أخرى تكمن في رغبة بعضهم في فرض السيطرة والنفوذ من أجل الشهرة أو بسبب ضغوط نفسية يتعرض لها الطالب سواء في أسرته أم في الجامعة. وتقول: «عدم احترام آراء الآخرين يؤدي إلى التلاسن ثم الشتم والسب حتى يتطور الأمر بينهم إلى الضرب والقتال». وتطالب الجهات المسؤولة بوضع حد لهذه الظاهرة لأنها تلحق الأضرار بالممتلكات العامة في الجامعة «وهي حق للطلاب كلهم، كما أنها تضر بطلاب من خارج النزاع». ولا يمكن بحسب «ذبحتونا» أن يتم وقف ظاهرة العنف الجامعي في ظل عدم معالجة أسبابه بدءاً بتغييب دولة القانون مروراً بأسس القبول الجامعي وصولاً إلى غياب الحريات الطالبية وإبقاء نظام الصوت الواحد. وترفض «ذبحتونا» «الطريقة المعيبة» التي تحل بها المشاجرات الجامعية والتي تتم من خلال فنجان القهوة وعقد الجاهات والعطوات وبحضور رؤساء جامعات وأكاديميين ومسؤولي وزارات، مشيرة إلى أن هذه الآلية تعمل على «تعزيز النعرات الضيقة وبالتالي تنامي الظاهرة». ولكن بهدف علاج المشكلة لا بد من اعتراف الجهات الرسمية بوجودها أصلاً وهو ما لم يحدث بعد «الأمر الذي يجعل المخاوف من رعاية رسمية لهذه التصرفات مبررة» بحسب الحملة التي وصفت التجاهل الرسمي بأنه «رغبة الأردن بدخول موسوعة «غينيس» لأكبر عدد من المشاجرات في الجامعات». ويرى الطالب محمد السلامة من الجامعة الأردنية في عمان أن العنف الجامعي ازداد في السنوات العشر الأخيرة في شكل كبير، بسبب الغزو الفكري الذي يتعرض له الشباب عبر الأفلام السينمائية والألعاب الإلكترونية التي تتسم بطابع العنف، بالإضافة إلى حب الظهور وهاجس التقليد الأعمى. ويوضح محمد عبد الله من الجامعة نفسها، أن أسباب المشاجرات «ترجع لأمور سخيفة ويمكن حلها بهدوء ولا يوجد سبب واحد منطقي يدعو إلى العنف في الجامعات، لكن الشباب يفتقرون إلى الوعي والثقافة للحد من هذه الظاهرة التي أصبحت لا تخلو منها جامعة». ويضيف: «أصبحت المشاجرات شبه يومية، فيكاد لا يمضي يوم من دون وقوعها في أي جامعة سواء حكومية أو خاصة». أما عميد شؤون الطلاب في الجامعة الهاشمية في مدينة الزرقاء (15 كلم شمال عمان) الدكتور ماجد القرعان فيرى أن معظم الطلاب الذين يتورطون بأعمال عنف هم من ذوي التحصيل الأكاديمي الضعيف ما يجعلهم أكثر عدائية بسبب إخفاقهم في دروسهم. ويقول: «تتشكل لدى هؤلاء صورة سلبية عن الذات وبالتالي يعانون من صراع داخلي وتتكون لديهم طاقات سلبية يصرفونها في السلوك العدائي بحثاً عن إظهار الذات وإثبات الوجود».