يبدو أن التفاهم بين الحكومة التركية والزعيم المُعتقل لحزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان أوسع مما تصوّره كثيرون، إذ كلما ظهرت مشكلة قد تعرقل تنفيذ خطة السلام التي أعلنها الزعيم الكردي من سجنه، تُسرّب الحكومة أنباء عن تجاوز العقبة، من خلال جولة مفاوضات جديدة بينه وبين رئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان. وأفاد آخر التسريبات بتجاوز عقبة شرطين وضعهما الجناح العسكري للحزب، هما: تشكيل لجنة برلمانية تتابع تنفيذ خطة السلام، وأن يتحمّل أوجلان مسؤولية الطلب من المسلحين الانسحاب من تركيا من دون سلاحهم. وشكّلت الحكومة لجنة برلمانية لمتابعة التسوية، على رغم رفض المعارضة الأتاتوركية والقومية المشاركة في اللجنة التي اقتصرت على نواب من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم و «حزب السلام والديموقراطية» الكردي، علماً أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ورئيس البرلمان جميل شيشيك أعلنا الأسبوع الماضي رفضهما تنفيذ هذا الشرط. ووافق أوجلان على التوجّه إلى مسلحي حزبه طالباً منهم الانسحاب وإلقاء سلاحهم، عبر رسالة خطية أو صوتية تُرجّح تلاوتها قريبا. وأشارت التسريبات إلى أن التفاهم بين أوجلان والحكومة يقضي ببدء انسحاب مسلحي «الكردستاني» الأسبوع المقبل، وإنجاز ذلك نهاية حزيران (يونيو) المقبل، وأن يسلكوا طرقات مُتفقاً عليها، لئلا يصطدموا بأجهزة الأمن أو الجيش، وأن يُنفَّذ انسحابهم ليلاً، لتجنّب مواجهة مع أجهزة الأمن أو مدنيين أو عسكريين. في المقابل، سيطلب أردوغان من الجيش الامتناع عن الاحتكاك ب «الكردستاني» ووقف غاراته على شمال العراق، وألاّ يرسل تعزيزات إلى جنوب شرقي تركيا وعدم القيام بمناورات. وحاول أردوغان طمأنة «الكردستاني»، إذ أعلن خطوات عملية ستُتّخذ عبر الحكومة والبرلمان، مؤكداً التزام الجيش تعليماته، ما اعتبرته المعارضة تراجعاً صريحاً لرئيس الوزراء عن موقفه السابق، حين رفض اتخاذ الحكومة أو البرلمان أي خطوة، مؤكداً أن انسحاب مسلحي «الكردستاني» ليس سوى بمبادرة من أوجلان، وأن الحكومة ستتحرك بعد تنفيذ تلك الخطوة وبناءً على نتائجها. ونفى أردوغان آنذاك أي مفاوضات مباشرة مع زعيم «الكردستاني»، أو إبرامه اتفاقاً معه. واعتبرت المعارضة القومية والأتاتوركية في البرلمان أن أردوغان بات يقدّم تنازلات واضحة لأوجلان وحزبه، وأن الجانبين أبرما «اتفاقاً سرياً». وشهدت جلسة في البرلمان أُقِرّت خلالها قوانين جديدة تتّصل بتعريف الإرهاب، سجالاً حاداً، إذ اعتبر حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي المعارض أن القوانين جزء من «الصفقة» بين أردوغان وأوجلان، بعدما أعادت تعريف الإرهاب والمتواطئ مع حزب إرهابي، في شكل سيتيح إخراج عشرات من الساسة الأكراد من السجن. لكن الحكومة دافعت عن التعديلات الدستورية، معتبرة أنها استجابة لطلب منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان، انتقدت إبقاء تركيا تعريفاً فضفاضاً للإرهاب وممارساته، يشمل التصريحات والكتابات وحتى ألوان الملابس. وفي خطوة يُتوقع أن تغضب المعارضة، قرر حزب «العدالة والتنمية» زيارة الرئيس السابق لجنوب أفريقيا نيلسون مانديلا، للاستعانة بخبرته في تسوية نزاعات أهلية، ما سيحيي اتهامات وجّهها حزب «الحركة القومية» إلى الحكومة بأنها تحوّل أوجلان «مانديلا» ثانياً وبطلاً قومياً للأكراد، كما لم يستبعد إطلاقه بعد تنفيذه بنود الاتفاق مع الحكومة.