شباب في أوج حماستهم، يرتدون جلود الماعز، ويخفون وجوههم وراء أقنعة، أو ينمّقونها برسوم مختلفة، وفي أيديهم يحملون قوائم أضاحي العيد، ليس بهدف التسلية، بل ل «جلْد» من يصادفونهم في الطريق، في عادة متوارثة منذ القِدم في المغرب. وتستمر هذه التظاهرة لمدة 5 أيام وهي بمثابة أيام احتفالية، تجوب خلالها مسيرات ملونة أهم أحياء المدينة وشوارعها. وخلال هذا الكرنفال تقدم لوحات راقصة شعبية، بالإضافة إلى ترديد الأغاني باللهجة المحلية، وحتى المارة الذين يصادفون «بوجلود» في الطريق، يظن بعضهم أنه إذا ضربهم بقوائم الأضحية فإنه سيجلب لهم البركة بهذه الحركة ويذهب عنهم النحس ويشفي المريض منهم. و تلك واحدة من طقوس مدن عدة، من بينها منطقة سوس جنوب غربي المغرب، حيث يتم تنظيم ما يطلق عليه «مهرجان بوجلود» أو بالأمازيغية «بيلماون»، وهو عبارة عن طريقة خاصة للاحتفال بعيد الأضحى، إذ يرتدي شبان جلود الأضحية من الأغنام والماعز بغية إحداث جو تطبعه طقوس احتفالية يكون الهدف منها جمع النقود لتمويل الموسم المقبل الذي يقام في هذه المناسبة. ويتطلب تحضير حفلة «بوجلود» مجموعة من الاستعدادات، تبدأ بجمع جلود الأضاحي، ويكون ذلك مجاناً، ثم يقوم المشاركون بغسلها وتحضيرها لكي تكون صالحة للباس بعد خياطتها جيداً حتى يُضمن تماسكها أثناء الجري والمطاردة. ويتطلب تحضير زي واحد بين خمسة وسبعة جلود بحسب طول الشخص، بالإضافة الى حوافر الأضحية. وبعد أن تنتهي تلك الاستعدادات يخرج المتنكرون إلى الأزقة، لتبدأ الاحتفالات. ويحاول المنظمون إضفاء بعد شبه دولي على هذه التظاهرة المزمع تنظيمها في 11 و12 الجاري من خلال استضافة فرقة سنغالية وفرقة «شياطين تيكيزي» من جزر الكناري التي ستكون ضيفة شرف هذه الدورة، لكونها ستحمل معها مشاهد وحكايات شبيهة بمنطقة سوس، قبل أن تسقط جزر الكناري في قبضة الإسبان مع اكتشاف القارة الأميركية. محمد المخ، ناشط مدني في بلدة آيت ملول، في منطقة أكادير، يؤكد أن أصل مهرجان «بوجلود» هو من التراث الأمازيغي، وتحرص مناطق سوس على الخصوص على تنظيمه سنوياً، وهو من الطقوس المرتبطة بالأيام التي تلي عيد الأضحى. وتبدأ الاحتفالات في ثاني أيام العيد. وأوضح المخ أن الجمعيات الأهلية تسعى للحفاظ على هذا الموروث العفوي بتدخلها في تأطير التظاهرة عبر مهرجان متنوع حتى لا تنحرف عن مبتغاها العام ودعماً للحركة التنموية والسياحية في المنطقة. ففي الآونة الأخيرة تعالت مجموعة من الأصوات التي تحرم هذا الطقس واعتبرته «رجساً من عمل الشيطان» وأصوات أخرى دعت الى مقاطعته باعتباره «خطراً على أمن الساكنة»، وسط دعوات متزايدة الى ضرورة الاستفادة من جلود الأضاحي من الناحية الاقتصادية، وفي العمل الخيري، عوض هدرها في ما لا يفيد. لكن المخ يرى أن «ضعاف النفوس وإقصائيي التراث هم من يروجون لمثل هذه الأفكار ضد طقس بوجلود». أما الناشطون الشباب، فيراهنون على أن تصبح طقوس التظاهرة كرنفالاً عالمياً من شأنه أن يساهم في التنمية الاقتصادية للمناطق التي تحتفل به». وتعتبر مدينة الدشيرة عاصمة «بوجلود» أو «بيلماون» بلا منازع، بعد أن تم الحد من هذه الاحتفالات في كثير من المناطق الأخرى، وتساهم الجهات المسؤولة في دعم مثل هذه التظاهرات إلى جانب أبناء المدينة المتشبعين بهذا التقليد. وتؤكد جمعيات أن «بيلماون» تقليد في منطقة سوس يجب الحفاظ عليه وصيانته من الشوائب التي تجعل بعض الدخلاء يسيئون إليه، وعلى أبناء المنطقة المطالبة بجعله إرثاً ثقافياً عالمياً تحتضنه منظمة «اليونيسكو» كبقية التظاهرات العالمية. ويرى بعض الباحثين أن جذور مهرجان «بوجلود» أفريقية مستوحاة من أساطير قديمة، ويظهر أن هذه الأساطير دخلت إلى المغرب مع نزوح الأفارقة الذين هاجروا عبر العصور إلى البلاد، وجلبوا معهم عاداتهم وتقاليدهم، ومنها الطقوس الكناوية التي ارتبطت أيضاً بموسيقى «كناوة» مثلاً. في حين يرى فريق آخر من الباحثين أن أصل مهرجان «بوجلود» أو «بولبطاين» مستوحى من التراث الأمازيغي، وما يعزز ذلك أن كلمة «بولحلايس» أمازيغية. ومن ناحية ثالثة، هناك من أرجع أصل هذا المهرجان إلى التراث اليهودي من خلال كلمات «أمعشار» و «سونة» و «بوهو». وما يرجح وجود علاقة للمهرجان بالتراث اليهودي في المغرب هو كلمة «بوهو» التي كان يقولها اليهود المغاربة عندما يشعرون بالخوف، ف «بوهو» تعني لديهم حيواناً أو وحشاً مخيفاً. ويقول البعض إن شخصاً يهودياً كان يقود مهرجان «بوجلود» في الماضي، غير أن هذا التقليد اختفى تقريباً بعد هجرة معظم اليهود المغاربة، ليتم أخيراً ربط المهرجان ببعض الأساطير التي تتحدث عن وحش تتدلى منه الجلود كان يزرع الرعب والخوف في قلوب الناس. في المقابل، يؤكد الباحث إبراهيم أزروال انه لفهم خاصيات «بوجلود» لا بد من الإلمام بدلالة الظاهرة القربانية في شمال أفريقيا، موضحاً أن المدرسة التاريخية المغربية لم تقدم أي مقاربة تاريخية لاحتفالية «بوجلود»، على رغم أهميتها البالغة، فالصمت يلف «الفرجات» (العروض) ومنتجات المتخيل الشعبي عموماً. وكانت حملة وطنية شاملة من أجل التوعية بأهمية جلود أضاحي العيد، نظمت منذ 3 سنوات اتفق عليها الأطباء البيطريون وأئمة المساجد واختصاصيو صناعة الجلد، إلى التوعية بما يفقده المغرب من أموال طائلة جراء هدر جلود الكباش في العيد، حيث يفقد أكثر من 300 مليون درهم، و1500 يوم عمل في السنة، نتيجة سوء التعامل مع هذه الجلود، فيضطر إلى استيراد ما مقداره بليون درهم من الجلود المصنعة سنوياً من فرنسا وإيطاليا.