انعكست إجراءات تنظيم سوق العمل السعودية الأخيرة بهدف تشجيع توظيف السعوديين على العمالة الأجنبية التي تطغى على السوق، وباتت تلك العمالة بين مطرقة الترحيل وسندان الكفيل. ويقول عامل البناء الهندي عبدالقيوم، إنه دفع قبل عامين 15 ألف ريال (أربعة آلاف دولار) للحصول على تأشيرة عمل في السعودية لكنه لم يتمكن من استرداد المبلغ حتى الآن، وبات مهدداً بالطرد كونه يعمل لدى الغير نظراً إلى عدم وجود عمل لدى الكفيل. ويضيف: «لم يبلغني أحد في بلادي أن النظام يشترط العمل مع الكفيل، كما أن الكفيل الذي استقدمني لا يوجد عنده أية تجارة لأعمل معه ما دفعني للعمل لدى الآخرين، فلماذا يريدون محاسبتي وليس الكفيل؟». من جهته، يقول مختار (باكستاني) يعمل في سوق تجارية وسط الرياض: «أدفع سنوياً ثمانية آلاف ريال للكفيل لتجديد الإقامة ورخصة العمل. يملك كفيلي قطيعاً من الإبل في الصحراء، وجئت إلى السعودية بالاتفاق معه على العمل لدى غيره على أن يتولى هو الأوراق الرسمية في مقابل المال. أريد أن أعمل لتعويض ما دفعته لكنهم يأتون لطردنا، هذه ليست غلطتي». وكان وزير العمل المهندس عادل فقيه أكد أواخر العام الماضي أن هناك ثمانية ملايين عامل وافد، ستة ملايين منهم يشغلون وظائف متدنية لا تصلح للسعوديين، في حين تشير تقارير اقتصادية إلى وجود مليوني عامل غير نظامي. وعلى رغم تطور النشاط الاقتصادي وارتفاع العائدات، تسبب البطالة البالغة نسبتها رسمياً 12,5 في المئة قلقاً للمسؤولين، خصوصاً أن الشباب تحت سن ال25 يشكلون 55 إلى 60 في المئة من السكان. وتحاول السلطات اتخاذ خطوات عدة بهدف «سعودة» الوظائف، لكن أعداداً كبيرة من الشبان يطالبون برواتب مرتفعة ويحبذون العمل في إدارات الحكومة المكدسة بالموظفين أساساً، وليس القطاع الخاص بسبب متطلبات الكفاءة والمهنية في هذا المجال. وقال كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري سعيد الشيخ: «التنظيم أمر ضروري لا بد من العمل عليه بغض النظر عما إذا كان يؤدي إلى زيادة وظائف السعوديين من عدمه». واعتبر أن «الأمر ليس استهدافاً للعمالة غير السعودية بقدر ما هو معرفة الواقع الحالي. إن استمرار الوضع يؤدي إلى مخاطر اجتماعية واقتصادية وسياسية». وأضاف: «من حق وزارة العمل إحلال السعوديين المؤهلين عوضاً عن العمالة الوافدة، لكن يجب ألا تحدث إرباكاً للنشاط الاقتصادي بحرمان بعض القطاعات المحتاجة إلى العمالة من الخارج مثل قطاع الإنشاءات». وكشف أن «قطاع التجزئة يتركز فيه نحو 1,7 مليون من العمالة غير السعودية ولا يتطلب مهارات عالية ويمكن أن يشغله مواطنون، كما أن قطاع الإنشاءات يعمل فيه 2,8 مليون عامل غير سعودي، أما قطاع الصناعة فيعمل فيه 700 ألف عامل نسبة السعوديين منهم 20 في المئة فقط». بدوره، قال شاب سعودي (فضّل عدم ذكر اسمه)، إن «نظام الكفالة بوضعه الحالي غير الواضح، نظام يخلو من الإنسانية». وأسفرت الحملة التي شنتها الجهات المختصة في الأسابيع الأخيرة عن تباطؤ كبير في نشاط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وكذلك المدارس الأجنبية وقطاع الخدمات. ومن الفئات الأكثر تأثراً بالقرار العمالة الهندية والباكستانية والبنغلاديشية واليمنية وفقاً للمطّلعين على حركة العمل. وفي ظل حال الهلع والخوف التي سادت العمالة الأجنبية، قرر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مطلع الأسبوع الماضي منح المخالفين مهلة ثلاثة أشهر لتصحيح أوضاعهم. وفي هذا السياق، قال محمد عبدالله عوض (27 عاماً) يمني مقيم في جدة: «أنهيت إجراءات نقل كفالتي بعد تعقيدات». وأضاف مبتسماً: «قمت بشراء التأشيرة قبل نحو عام ونصف ب20 ألف ريال بعد أن بعت كل ما أملك. لكن كفيلي لا عمل لديه، فبحثت عن عمل في إحدى الشركات». وتابع الخرّيج الذي يعول أسرته المكوّنة من 13 شخصاً: «عندما صدرت الإقامة طلب مني 4100 ريال، وعندما طلبت النقل طلب 7500 ريال، إلى جانب توقيعي على أوراق بيضاء وإلا فلن أنال التنازل. الكفيل الفردي يستغلنا ولا يمكننا الرفض».