دعوني أعترف بأني حين كنت أعمل في مدينة جدة كان يوم الإثنين عندي مقدساً لحضور اثنينية عبدالمقصود خوجة، والسبب «البوفيه المفتوح» مما لذّ وطاب بعد أمسية الضيف، فلا أكترث كثيراً للوسط الثقافي، لأنه بصراحة شبه مريض، فالمثقف لدينا - ولا أعمم - يشعر بالنرجسية والتهميش. وبعيداً عن الثقافة الحقيقية - لأنها سلوك إنساني - فما لم يكن المثقف يحقق بسلوكه ما يضج به وعيه من قِيم الحب والخير والحق والجمال، فهو إما دجال أو مريض، والدجال حلّه الرقية الشرعية بعد الاستتابة ونهيه عن الثقافة بعدها، والمريض حلّه العلاج. فرحت بتعيين الصديق الأستاذ حسين بافقيه مديراً عاماً للأندية الأدبية، فهو الرجل المناسب في المكان المناسب وفي هذه المرحلة بالضبط، فالحبيب حسين مثقف وليس دجالاً ولا مريضاً، بل رصين ومؤرخ وناقد وكاتب وباحث، إنه «بانوراما» شكّلت ألوانها تربيته على يد أدباء الحجاز من الرعيل الأول الذي على يده اليوم أن يصنع امتداداً له من الجيل الراهن من خلال موقعه. السعوديون مبدعون بالفطرة، ولديهم حِس فني ونهم لمتابعة وممارسة الفنون كافة، والأندية الأدبية تتحرك، لكن مثل تحركي أنا على ساق واحدة! يجب أن تُمنح الأندية صلاحيات أكبر، ويكون إشراف الوزارة عليها لا مركزياً، وأن تعرّف بنفسها للمجتمع، وتعقد شراكات واتفاقات مع وزارة التربية وجمعية الثقافة والفنون للبحث عن المواهب الأدبية الإبداعية من براعم لتتعاهد عبر برامج تقدمية على سقياها بالقيم النبوية والحرية المسؤولة، وتوظيف ذلك في إبداع يمضي إلى الأمام باستشراف مستقبلهم في هذه البلاد المباركة. ولا بد من إحياء حركة النقد الأدبي لتتوازى مع سيل حركة التأليف الشبابية من رواية وشعر، فالفن جسد والنقد هو الروح، فلا تُقدم من دون نقد منهجي صارم ليكون غربالاً تُصفّى منه الأعمال الحقيقية، لأن النقد لدينا مُعطّل بعد أن هرم نقاد الثمانينات خلف الروائيين، كعبده خال أو رجاء عالم، وهذا أمر مخجل أن يكون هناك إبداع لا يفككه ويبسطه ويكشف عن نقاط ضعفه النقد، فستضمر المواهب ويجتاحهم ككثير من مثقفي الجيل السابق الإحباط. لا بد من التطبيع مع ثقافة الأمل وتعليم الجيل المبدع الراهن. إن المثقف ليس مع الناس، بل للناس، يكتب عنهم ولهم، وينزل من برج رأسه فكرة، فثقافته تميزه عن غيره. المثقف اليوم ياعيني يطبع ألف نسخة من كتابه على حسابه، ويقدم نصفها إهداءات والبقية في كرتون داخل «شنطة» سيارته وحزين ومتعجرف، وليته يقتنع بأن كأس شاي «تلقيمة» مع أغنية أبوبكر «باشل حبك معي» تسلطن مزاجه بعد طبق الفول الصباحي أكثر من فيروز والقهوة التركية! [email protected] @abdullah1418