قد تكون نتائج تحكيم دورة هذا العام لمهرجان السينما المصرية، معبرة – أشد تعبير – عن أزمة هذه السينما، الى درجة لم تجد لجنة التحكيم فيها دوراً رجالياً يستحق جائزة الممثل الأول ولا دوراً نسائياً يستحق أيضاً جائزة الدور الأول، التي تذهب عادة للنجوم والنجمات. والحكاية أن «جمعية الفيلم» أقدم وأعرق جمعيات الثقافة السينمائية في مصر (تأسست عام 1960 على يد الكاتب الكبير يحيى حقي) أقامت مهرجانها السنوي التاسع والثلاثين لتقييم أفلام عام 2012 ومنح جوائزها لأفضل هذه الأفلام، وكما هي عادة الجمعية التي يرأسها الفنان محمود عبدالسميع مدير التصوير السينمائي ولها جمهور حقيقي، قامت الخطوة الأولى في مهرجانها السنوي بطرح قائمة الأفلام المصرية التي عرضت في دور السينما خلال العام الماضي لاختيار خمسة عشر فيلماً منها. كان العدد الكلي 31 فيلماً اختار الجمهور منها القائمة الأصغر التي ذهبت إلى لجنة تصفية من النقاد والسينمائيين (من غير المشاركين في القائمة) لاختيار سبعة أفلام شريطة أن يحصل كل منها على 50 في المئة من الأصوات، مع إمكانية التحكيم في فروع متميزة في الأفلام الأخرى. وبعدها ذهبت هذه الإفلام إلى الجمهور من جديد من خلال استفتاء عام جديد يجري أثناء عرضها يومياً في المهرجان (ومناقشتها) ليختار الجمهور أفضل فيلم من بينها، في الوقت ذاته الذي تجتمع لجنة تحكيم حرفية للمهرجان لمنح الجوائز السنوية. وما حدث هو أن عدد الأفلام التي ارتقت للتصفية الأخيرة أصبح خمسة وليس سبعة، هي «المصلحة» من إخراج سندرا نشأت، و «ساعة ونصف» لوائل إحسان، و «بعد الموقعة» ليسري نصر الله، و «واحد صحيح» لهادي الباجوري، ثم «مصور قتيل» لكريم العدل، بينما دخل فيلم «حلم عزيز» لعمرو عرفة ملحق العرض التحكيمي في الفروع المتميزة فقط... وفي لجنة برئاسة علي أبو شادي ضمت أربعة نقاد غيره هم خيرية البشلاوي وعصام زكريا وحسن عطية وكاتبة هذه السطور إضافة الى الفنانة آثار الحكيم وأستاذ الصوت في معهد السينما الدكتور إبراهيم عبدالمجيد وأستاذ المونتاج الدكتور يوسف الملاخ. جاء حكم اللجنة متفقاً مع اختيار الجمهور للفيلم الفائز بالأفضلية عن عام 2012، وهو «ساعة ونصف» الذي حصل على 5 جوائز مهمة تؤكد جدارته، هي جوائز السيناريو (أحمد عبدالله)، والإخراج (وائل إحسان)، والصوت (أحمد جابر)، والمونتاج (شريف عابدين)، وكذلك جائزة أفضل ممثل للدور الثاني التي ذهبت لماجد الكدواني. أما أفضل ممثلة للدور الثاني أيضاً فقد اقتنصتها النجمة الصاعدة ناهد السباعي عن فيلم «بعد الموقعة»، الذي حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة لمخرجه يسري نصر الله وعلى جائزة الديكور لمحمد عطية. اما الحصان الأسود في المسابقة فكان فيلم «مصور قتيل» للمخرج الشاب كريم العدل وهو ثاني أفلامه بعد فيلمه الأول «ولد وبنت» عام 2009 والذي حصد جوائز: التصوير عبدالسلام موسى، والموسيقى هاني عادل، وأيضاً الأفيش، بينما حجبت جوائز الماكياج والعمل الأول في الإخراج، ولأول مرة، ممثل وممثلة الدور الأول، وحيث لاحظت اللجنة ضعف الأدوار النسائية عامة إلى جانب عدم توفيق ممثلات أقوى هذه الأدوار. أما في الأدوار الرجالي فقد نافس إياد ناصر نفسه في فيلميه «مصور قتيل» و «ساعة ونصف» وبذل باسم سمرة جهداً خارقاً في «بعد الموقعة» وكذلك فعل أحمد السقا وأحمد عز في «المصلحة». لكنهم جميعاً لم يقدموا ما يقنع اللجنة، التي رأت أيضاً في الأداء الجماعي لأبطال «ساعة ونصف» لمحات تعبيرية رائعة، ولكن كيف يمكن إعطاء جائزة فردية لمجموعة؟ وكيف يمكن وضع الجميع في المستوى نفسه بينما هم متفاوتون بالفعل على رغم هذه الحالة من الانسجام الجماعي التي وصلوا إليها خلال قيادة مخرج واع وعناصر إبداعية مميزة؟ ولعل اللفتة الأكثر إثارة في حفل توزيع الجوائز على الفائزين مع حجب جوائز النجوم، هي أن من قدمتها إليهم كانت النجمة آثار الحكيم باعتبارها أيضاً ضيف شرف المهرجان هذا العام والذي كرم كعادته بعض السينمائيين الكبار مثل الكاتب بشير الديك والمونتير أحمد متولي والممثل عبدالرحمن أبو زهرة ومساعد أول الإخراج إبراهيم فتحي الذين حصلوا على تقدير الجميعة، الأهم كما قالوا. أما أكثر اللقطات طرافة فقد كانت للمنتج أحمد السبكي الذي حمل جائزتي الأفضل لفيلمه وسعادته غامرة بعد الهجوم الكبير الذي يتعرض له دائماً من نقاد السينما في مصر بسبب أفلامه التجارية. ذهب السبكي ليصافح أعضاء لجنة الحكم ويقول لهم .. «أشكركم وما تزعلوش من أفلامي التانية أنا لازم أعمل كل الأنواع... وكله يشيل بعضه» ويا لها من حكمة!