أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمس، الخطوط العريضة لمشروع قانون يهدف إلى تنقية الحياة العامة، في مسعى إلى امتصاص الزلزال الذي أصاب مؤسسات الحكم الاشتراكي وصولاً إلى رأسه، نتيجة الحساب المصرفي السري الذي أقرّ وزير المال السابق جيروم كاهوزاك بامتلاكه في الخارج. وتمحورت الخطوط العريضة لمشروع القانون، الذي كشف عنه هولاند بعد الاجتماع الأسبوعي للحكومة الفرنسية، حول تعزيز مكافحة التضارب في المصالح العامة والخاصة، واعتماد عقوبات مشددة في مجال التهرب الضريبي وإلزام الوزراء والنواب الإعلان عن ممتلكاتهم المادية. وتأتي هذه الاقتراحات، التي ستناقش في مجلس الوزراء بدءاً من 24 نيسان (أبريل) الجاري. ويفترض أن يقرّها مجلسا النواب والشيوخ قبل الصيف المقبل، وسط أجواء سياسية شديدة التوتر، تترافق مع ازدياد الاشمئزاز الشعبي حيال مسؤوليهم. وفي هذا الإطار، أكد هولاند أن «انزلاق» كاهوزاك الذي كان يُعدّ من ألمع وزراء الحكومة «لا ينبغي أن يغذي الريبة والشك» حيال الوزراء والنواب، الذين «يتفانون للمصلحة العامة»، داعياً الفرنسيين إلى «احترام مسؤوليهم»، معتبراً أن «الشفافية تفسح المجال للاحترام». وكان هولاند دان بقسوة لا سابق لها، إقرار كاهوزاك بامتلاكه حساب مصرفي سري قبل تسعة أيام، بعد نفيه رسمياً ذلك وعلى مدى الأشهر الأربعة الماضية. وأشار في مداخلة تلفزيونية، إلى انه «خدع أعلى السلطات في البلاد»، وكذب على البرلمان و «عبره على الشعب الفرنسي». ونظراً إلى ردود الفعل الحادة التي أثارتها قضية كاهوزاك ولا تزال، في أوساط المعارضة اليمينية، كان لا بد للرئيس الفرنسي من الإقدام على مبادرة، يأمل من خلالها في تطويق ذيولها، لتزامنها مع أزمة ثقة عميقة ونسبة رفض قياسية لأسلوبه في التعامل مع الأزمة الاقتصادية والمعيشية. واقترح هولاند ضمان الشفافية على صعيد الحياة العامة، من خلال إنشاء «هيئة عليا» مستقلة للتدقيق في تصاريح الأعضاء المنتخبين والوزراء عن ممتلكاتهم، ومنع النواب من مزاولة أي مهنة أخرى، تفادياً للتضارب بين المصلحتين العامة والخاصة، ومكافحة التهرب الضريبي عبر استحداث نيابة عامة معنية بالشؤون المالية، وهيئة مركزية لمكافحة التهرب الضريبي. وكشف عن إجراءات لمراقبة نشاطات المصارف الفرنسية التي تملك فروعاً في الخارج، وأخرى للتضييق على الجنات الضريبية، وإرساء تبادل للمعلومات مع الدول للكشف عن الأصول العائدة إلى الفرنسيين في الخارج. ويسعى هولاند عبر كلامه هذا إلى الالتصاق مجدداً بتعهداته الانتخابية، خصوصاً منها شعار «الجمهورية النموذجية» الذي كان اختاره لتمييز نفسه عن سلفه نيكولا ساركوزي، والذي لطخه كاهوزاك بتصرفه، وزاد من زعزعة صورة الفريق الحاكم لدى الناخبين، خصوصاً أنه كان الوزير المكلف بمكافحة التهرب الضريبي وبإصلاح أوضاع الخزينة الفرنسية. لكن الحزم الذي أبداه هولاند وفريقه حيال قضية كاهوزاك وهو طبيب تجميل، يشتبه بأنه راكم الأموال التي أودعها في الخارج من خلال عمولات تقاضاها من مختبرات طبية، ربما لا يكون كافياً لترميم صدقية الاشتراكيين لدى الناخبين، وإلى إسكات أصوات المعارضة، التي طالب بعضها بحلّ البرلمان بسبب ما وصفته بأنه قضية دولة. والمعروف أن قضية كاهوزاك ليست الأولى في فرنسا، لكن تداعياتها جاءت أكثر قوة من سواها نتيجة تراكم القضايا السابقة، التي ولدت خيبة أمل الفرنسيين حيال السياسيين عموماً. كما تزامنت مع أعنف أزمة اقتصادية تمر فيها فرنسا. في حين لا يرى الفرنسيون، أن ما هو مطروح عليهم في هذا المجال يشكل مخرجاً مجدياً. والرهان الرئيس المطروح على هولاند، على رغم طغيان قضية كاهوزاك على ما عداها، يبقى النهوض بالوضع الاقتصادي وتنشيط سوق العمل، لأن هذا هو محط اهتمام الغالبية العظمى من الفرنسيين، ولأن هذا ما يمكن أن ينزع من يد المعارضة اليمينية إمكان المزايدة في قضية كاهوزاك والنيل من فاعلية الحكم الحالي.