«شلونك عيني شلونك؟» الآن، وبعدما دهسته سيارة مسرعة في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، لن يكون هذا السؤال مشروعاً لمَن يسأل الفنان العراقي الراحل صلاح عبد الغفور (1953-2013) الذي يتحدر من أصل كردي، لأن الموت حط رحاله على ديالى وتحديداً على ناحية السعدية في العراق. ملأ فترة الثمانينات وما بعدها بشجنه، حين كان صوته يصدح في كل الشوارع العراقية والبلدان العربية المحيطة بالعراق، وبخاصة في مدينتَي دير الزور والرقة السوريتين، اللتين كانتا وما زالتا تعمل سياراتهما على وقود إضافي هو صوت الموسيقى العراقية. رحل عبد الغفور عن فنه وجمهوره مخلّفاً أكثر من 30 ألبوماً غنائياً و3000 أغنية، وهو لم يُنه الستين من عمره. لجأ إلى المقامات والأغاني التراثية العراقية في المرتبة الأولى، وجاءت أغانيه لتضيف إلى الموسيقى العراقية الشجية نمطاً خاصاً له دوره في تبوؤ مكانة متميزة بين متذوقي هذا النوع من الغناء. وذلك من دون أن يغيب عن حلمه توزيع أغاني الفنان ناظم الغزالي بشكل جديد، قبل أن يودع الحياة. رحلة صلاح عبد الغفور في الفن لم تكن قصيرة، فقد دخل معهد الدراسات النغمية في العراق، متخرجاً منه ومتخصصاً في الغناء على المقام العراقي والعزف على آلة الكمان، لينضم إلى فرقة التراث الموسيقي العراقي، فضلاً عن عضويته في فرقة الإنشاد العراقية. له بصمات في كثير من المحطات الأخرى في حياته الموسيقية والمهرجانات، بما أتاح له أن يصنع لنفسه اسماً كبيراً لمع عالياً أكثر من أربعين سنة. ودّع أهالي السعدية وديالى وأربيل عبد الغفور ملوّحين بأيديهم للذي أسعدهم في كثير من الأحيان وأبكاهم لفرقة الحبيب أو لكثرة الشوق إليه، من خلال أغنيات مثل «خسرتك يا حبيبي»، و «شلونك عيني شلونك؟»، و «لا تلوموني»، و «ردت أنساك»، و«بس تعالو»، وغيرها. هذه الأعمال كانت وراء شهرة عبد الغفور الإقليمية التي تجاوزت حدود العراق. فالنمط الغنائي الحزين الذي اشتهر به، كان له السبق في أن يعقد متذوق أغانيه جلسة صفاء أو قيادة السيارة على طرق صحراوية للبكاء على أطلال الحبيب أو حتى البلاد التي تتدّمر شيئاً فشيئاً، من بيروت في الثمانينات الى بغداد الى الشام الى ليبيا... فهو سيستمع إلى شجن صلاح وآهاته والدمعة تسكنه. أما الآن، فستكون الدمعة مضاعفة.