بعد مرور سبعة أعوام على إنشاء «تويتر» وثلاثة أعوام على دخول السعوديين واستخدامهم له في شكل جماعي ومكثف، يستطيع المراقب رصد التحولات وسلوك المستخدمين من خلال مشاركتهم في أبرز القضايا المثيرة للجدل أو القضايا الاجتماعية والاقتصادية، أو حتى سلوك البعض في التفاعل مع الإشاعات والتسليم بها والمساعدة على نشرها من دون تأكد. الحديث الدائم عن وسيلة التواصل الاجتماعي الأشهر «تويتر» بسبب اختزال الكثيرين لمفهوم «وسائل التواصل الاجتماعي» وربطهم لها بالموقع الذي أنشئ ليكون وسيلة تواصل اجتماعي تقوم على الكتابة المختصرة للحدث أو الفكرة أو حتى ما يبوح به الإنسان، لتتحول في العالم العربي إلى وسيلة تعبير سياسية وتجييش تجاه القضايا، وفي بعض الأحيان تودي بصاحبها إلى الاعتقال. لماذا تستخدم «تويتر»؟ قبل قرابة ثلاثة أعوام كانت العبارة المكتوبة في الفراغ المخصص لكتابة التغريدة هي What is happening? لكن هذه العبارة تغيرت في ما بعد إلى Compose your tweet، تحولت من سؤال: «ماذا يحدث» في بالك أو مخيلتك أو على الأرض الواقع، إلى اكتب تغريدتك أو عبّر عنها. وهذا في كلتا الحالتين يُبقي صفة «تويتر» كما كانت عليه، أنه وسيلة للتواصل الاجتماعي تستطيع أن تكتب بالمئة والأربعين حرفاً المخصصة لك بيت شعر، أو تخبر الجميع عن وجبة عشاء تناولتها وتشاركهم بها، في نوع من التسويق غير المباشر وغير المقصود، أو تشاركهم أغنية راقت لك كذلك. هذا المفترض أن يكون استخدامك الأساس لموقع تواصل اجتماعي إضافة إلى أي استخدام آخر تريده سلباً أم إيجاباً. بعض الأكاديمين المتخصصين في الإعلام مثلاً بدأوا بمهاجمة الصحافيين الذين لم يدخلوا «تويتر» بعد، وربطوا السبب هو حتى لا تتكشف عوراتهم ويعرف الجميع قدراتهم اللغوية والنحوية! وحين يقول أكاديمي بهذا القول، فلابد وأنه وقع على كُتب علمية وأكاديمية تقول بوجوب دخول جميع سكان العالم لعالم «تويتر» والتسجيل فيه واستخدامه، ومن لا يقم بذلك فهو خائف من شيء ما يريد حجبه عن أعين الناس! لا يوجد في تعريف مهنة الصحافي أي تلميح على وجوب إلمامه باللغة والنحو بشكل. قد يكون هذا الأكاديمي جاهلاً بما يحدث في الصحف، وأن هناك أقسام تصحيح في كل صحيفة، وأن الصحافي قد يكون مراسلاً متنقّلاً أو مخبراً يأتي بالخبر عن بُعد، أو محرراً مكتبياً يجيد الصياغة ويعرف في النحو واللغة ما يمنحه التفضيل بتحريره لمواده الصحافية ومواد الآخرين. لكن مثال الأكاديمي الذي تم الاستشهاد به هو مثال من أمثلة عدة، لمراقبين بدأوا باستخدام مخيلاتهم في الحكم على المغردين وتوزيع هذه الأحكام، وكأن موقع التواصل الاجتماعي قد تحوّل إلى ساحة اختبار ثقافية تتطلب شهادة بعض المهتمين برصد سلوك المغردين ومنحهم شهادات التفوق ثقافياً وسياسياً ولُغوياً حتى. عوالم «تويتر» والشعبوية! في بداية الثورة المصرية تحول مستخدمو «تويتر» في العالم العربي إلى ناشطين سياسيين بعلم أو من دونه، وتحوّل معظهم إلى مشاركين في الحراك الشعبي في دول الربيع العربي. وبأخذ السعودية مثالاً، تحوّل موقع التواصل الاجتماعي إلى ما يشبه أداة التجييش والتحريض ولجمع المؤيدين والأتباع حول كل صاحب رأي وقضية حتى لو لم يتأكدوا من صحة قضيته ورأيه، حتى بعد سقوط الرئيس المصري حسني مبارك بأشهر، بقي «تويتر» كما هو عليه، ساحة للجدل السياسي والتخوين والتحريض، حتى تغيرت المعادلة بعد دخول الشعراء والمسؤولين والرياضيين، وبعد ذلك دخل الجماهير لكل من المشاهير، يتبعون أخبارهم ويشاركونهم الرأي أو يختلفون معهم. حتى المباريات التي لم تكن حاضرة في «تويتر» - من ناحية الجدل - في بدايات الربيع العربي أصبح الغالبية يغردون رياضة وتحليلاً مبتعدين عن السياسة، تجاوباً مع التنوّع الجماهيري في المتابعين، والذين كانوا في بدايات استخدام السعوديين ل«تويتر» من لون واحد واهتماماتهم موحدة. التنوع الموجود في «تويتر» حالياً لا يريده البعض، خصوصاً ممن استفادوا من توحّد اللون في بدايات دخول السعوديين له أفواجاً. فبعد أن كان الرأي والرأي نفسه، أصبح الآن الرأي والرأي الآخر، حتى لو كان مصير الرأي الآخر «بلوك». هذا التنوع الشعبوي يمكن أن يمنح للمراقب المهتم بمعرفة تأثير الشبكات الاجتماعية صورة مبدئية لا يمكن الجزم بها إلا بعد درسها، لكن إحدى معطيات هذا التنوع الشعبوي أن خبراً واحداً قد يجلب آلاف المؤيدين له بل عشرات الآلاف من دون أن يحرص أي منهم على معرفة مصدر الخبر والتأكد منه، لتسمع في المجالس عبارة «شفت وش كتب فلان في تويتر»! الجهات الحكومية.. المسؤولون .. والخدمات التويترية! تُعتبر وزارة التجارة والصناعة السعودية عبر معرّفها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» هي الأنشط، وقد يعطيها المراقب علامة النجاح الكاملة في مقابل فشل الجهات الحكومية الأخرى بالتواصل مع الجمهور. إذ تكتفي كثير من الحسابات الحكومية بالتغريد عن أخبار المسؤولين فيها من دون التجاوب والتفاعل الثنائي مع المستخدم أو المستهلك المتضرر أو المستفسر عن خدمة ما أو معاملة أو ضرر وقع عليه من تلك الجهة. شركات الاتصالات دخلت على الخط وأصبحت تقدم خدمات تفاعلية كذلك عبر حسابات خدمات العملاء، والتي تتفاعل مع الشكاوى المقدمة وتسعى لحلها مع العملاء عبر حسابات موثقة يتناوب عليها عدد من الموظفين. كل هذا التفاعل الخدمي جاء تلبية لزيادة عدد المستخدمين لهذه الوسائل، وقد يكون في بعض الأحيان تجنباً لمقصلة «الهاشتاق». وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبدالعزيز خوجة، على سبيل المثال، يُعتبر من المغردين النشطين. تخلى عن عباءة المسؤول وارتدى عباءة المغرد، يغرد بأذكار دينية وأبيات من الشعر ويتجاوب مع السائلين من المغردين، وأحياناً يكتب عن قرارات وزارته وهذا ما لا يعجب بعض المثقفين السعوديين الذين يعتبرون «تويتر» نسخة إلكترونية من الأندية الأدبية يشرعون من خلاله بمراقبة المغردين والحكم على مستواهم الثقافي ووعيهم من خلال ما يغردون به، فتخيل أنك تفضل وضع صور منوعة لأحداث العالم وتقضي وقتاً آخر لتغرد بأبيات شعر شعبي وتضع أغاني للمطربة العالمية ليدي غاغا. هنا لو حُقّ للمثقفين إقصاؤك من العالم ووصمك بأنك لا تستحق الحياة لفعلوا. إذ يجب عليك التغريد والاستعراض بما تقرأ وأن تحرص على تجنب الأخطاء الإملائية والنحوية وتعرض تغريداتك على فريق من الباحثين ليرى الناس فيك مثقف المستقبل. لماذا نتحدث عن «تويتر» فقط ؟ لماذا نتحدث جميعاً عن «تويتر» ونترك «فيسبوك» الذي أطلق عليه البعض المملكة بعد تجاوز مستخدميه بليون مستخدم، بينما لم يتجاوز عدد المستخدمين النشطين ل«تويتر» 200 مليون مستخدم من بين 500 مليون مستخدم كلي؟ الموضوع يستحق دراسة يصعب على من يقدمون أنفسهم خبراء في الإعلام الاجتماعي والشبكات القيام بها، لأن كل ما يقومون به خداع الجمهور بإحصاءات وأرقام بائتة، محصلتها النهائية المقارنة بين عدد قراء الصحف عبر الجوال وقرائها ورقياً، ثم ربط ذلك بموت الورق من دون ذكر أن المحتوى هو الأهم، أو هو الملك كما قال بيل غيتس عام 1996.