أبدى البنك الدولي تفاؤلاً في اقتصادات دول شمال إفريقيا لعام 2015، على رغم الأزمات المختلفة التي تمر فيها المنطقة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، والمتراوحة مشكلاتها بين عدم الاستقرار السياسي والأمني، وتقلب أسعار الطاقة والتغير المناخي، وتحدي ارتفاع بطالة الشباب، ودعم الأسعار وضعف التنافسية الاقتصادية. وأشار في تقرير على هامش الاجتماعات السنوية لمؤسسة «بروتن وودز» في واشنطن الى «إن منطقة شمال أفريقيا تحقق نمواً دون إمكاناتها، وتواجه مشكلة ارتفاع معدلات البطالة، وتلوّث الهواء، والندرة الشديدة لموارد المياه التي تقوّض قطاع الزراعة الذي يساهم بنحو خمس الناتج الإجمالي». وتوقع صندوق النقد الدولي أن تسجل المنطقة الممتدة من المغرب إلى مصر، معدلات نمو تقارب 3.8 في المئة عام 2015، وهي المعدلات ذاتها لنمو الاقتصاد العالمي، لكن تلك التوقعات تظل رهن اكراهات وتحديات ليس اقلها مصير أسعار الطاقة التي تعتمد عليها المنطقة في إيراداتها الخارجية بخاصة ليبيا والجزائر. ووضع الصندوق اقتصاد المغرب في مقدم اقتصادات المنطقة بمعدل نمو يقدر ب4.7 في المئة العام المقبل و3.5 هذه السنة. ويعتبر المغرب من الدول العربية غير المنتجة للطاقة الأحفورية ويكلفه استيرادها نحو 13 بليون دولار سنوياً، وهي قد تكون مستفيدة من تراجع الأسعار الدولية، لكنها في المقابل تعتمد على المطر في الزراعة وفي تأمين حاجاتها الغذائية، وتصدر الفائض إلى أسواق الاتحاد الأوروبي وروسيا. وعلى غرار كل دول شمال إفريقيا واليمن والأردن، يواجه المغرب ضغوطاً من صندوق النقد الدولي لتقليص نفقات دعم أسعار المحروقات والسلع الأساس، وتحقق هذه الخطة تحسناً في عجز الحسابات الكلية وزيادة النمو الاقتصادي، لكنها تترك مضاعفات اجتماعية في منطقة هشة. ويتسبب عدم انتظام الأمطار في عدم استقرار معدلات النمو في المغرب، والتي تبلغ خمسة في المئة في الفصول الماطرة وقد تتراجع إلى ما بين 2 و3 في المئة في السنوات شبه الجافة. وكان النمو بلغ 4.4 في المئة عام 2013 و2.7 في 2012. وتأتي تونس ضمن الاقتصادات التي تخرج تدريجاً من تداعيات الأزمات السياسية والاقتصادية التي ولدتها أحداث الربيع العربي، وقد تحقق نمواً نسبته 3.7 في المئة العام المقبل ونحو 2.8 في المئة هذه السنة بعد نمو ضعيف عام 2013 بلغ 2.3 في المئة. وينصح صندوق النقد «ثورة الياسمين» بإصلاح النظام المصرفي وتحديثه بما يسمح لتونس بتوفير نحو 10 بلايين دولار لاستخدمها في تمويل مشاريع القطاع الخاص، وتنشيط الاقتصاد وخلق نحو 40 ألف فرصة عمل سنوياً. ويحضّ الصندوق الدول المانحة على الاستمرار في دعم الاقتصاد التونسي، لمعالجة نقص السيولة وعجز الموازنة وارتفاع البطالة التي كانت سبب اندلاع «الربيع العربي». وتتراوح معدلات بطالة الشباب في شمال افريقيا بين 19 و40 في المئة وهي الأعلى في العالم، وتبلغ نحو 60 في المئة لدى من هم دون 30 عاماً. ويتوقف حجم النمو المرتقب في الجزائر العام المقبل على أسعار النفط الدولية، وهي إلى جانب إيران من الدول الضعيفة في التنوع الاقتصادي وتعتمد على إيرادات الغاز بنسبة تصل إلى 96 في المئة من حجم الموازنة. وتوقع الصندوق إن تحقق الجزائر نمواً يصل إلى 4 في المئة العام المقبل بعد تسجيل 3.8 هذه السنة و 2.8 في المئة عام 2013. وهي تحتاج إلى نمو مرتفع ومستقر للتغلب على بطالة الشباب التي تعتبر الأعلى من نوعها في المنطقة بسبب ضعف التوظيف في القطاع الخاص، والتردد في إصلاح وتحديث هياكل الاقتصاد الذي يترنح بين قوانين اشتراكية متقادمة وحاجات اقتصاد السوق التي لا تجد دعماً سياسياً كافياً. وتستفيد مصر من دعم مالي إقليمي (خليجي)، ودولي، ساعدها ،إلى جانب انتخاب رئيس جديد، على التغلب تدريجاً على صعوباتها الاقتصادية والاجتماعية وضمان الاستقرار الأمني. وتوقع صندوق النقد أن تحقق القاهرة نمواً يصل إلى 3.5 في المئة العام المقبل و2.2 في المئة هذه السنة بفضل استعادة ثقة الفاعلين الاقتصاديين، وهي تحتاج إلى مواصلة الإصلاحات الضرورية لخفض العجز المالي واستقرار الحسابات الكلية وتنشيط الاقتصاد، لخلق مزيد من فرص العمل للشباب وضمان نمو دائم ومستقر للتغلب على الصعوبات الاجتماعية. ويتوقف جزء من النمو الاقتصادي في شمال إفريقيا على تعافي الاقتصاد الأوروبي، الشريك التجاري للمنطقة والذي يرتبط معها باتفاقات «الشراكة الاقتصادية» مثل مصر وتونسوالجزائر، و»الوضع المتميز» الذي يجمع الاتحاد والمغرب. كما يمكن للمنطقة أن تستفيد من «معاهدة أغادير التجارية» التي تضم الأردن ومصر وتونس والمغرب والموقعة عام 2004، لزيادة حجم التجارة البينية وإنشاء خطوط ملاحة بحرية وشركات عابرة للحدود تعزز تنافسية المنطقة المغاربية، التي تواجه في المقابل وضعاً أمنياً غير مستقر في ليبيا، وموقفاً معارضاً من الجزائر لأي اتحاد اقتصادي وتجاري وجمركي إقليمي، بسبب خلافاتها مع المغرب واعتمادها بالكامل على صادرات الغاز.