منذ تفجّر الحرب بينهما علانية عام 2010، لم تكف أميركا والصين عن التصرّف وكأنهما دولتان عدوّتان، بل كأنهما منخرطتان في حرب لا تتوقف، عبر الفضاء الافتراضي لشبكة الإنترنت. لا تتوقف سيول الاتهامات الرسمية والإعلامية بين البلدين، كل منهما يدين الآخر بأنه يشنّ هجمات تستهدف مفاصل حسّاسة في بلده. ولا يتوقف الإعلام الأميركي عن الحديث عن «الوحدة 61398 للقرصنة الإلكترونية» التي يفترض أنها جزء من الجيش الثالث في «الجيش الأحمر» الصيني. وعمدت الدولتان إلى إجراءات لتخفيف التوتر، مثل إجراء مناورات إلكترونية مفترضة، لكنها لم تؤد إلا إلى خفض التوتر موقتاً. وأخيراً، صرح جيمس كلابر، وهو «مدير الاستخبارات الوطنية» الأميركية بأن الولاياتالمتحدة تواجه خطراً متزايداً بحدوث هجمات إلكترونية يمكن أن تضرب بنى تحتية عدّة. وفي تقريره السنوي إلى الكونغرس، شدّد على أن هذا النوع من الهجمات، بل حتى البدائية تقنيّاً، يمكن أن تطاول شبكات معلوماتية غير محميّة بصورة كافية، بينها شبكات التيار الكهربائي. وقبل ذلك بفترة وجيزة، عرضت الصين إجراء محادثات مع الولاياتالمتحدة بشأن الأمن الإلكتروني، وسط حرب كلامية بين الجانبين بشأن اختراق شبكات الكومبيوتر. ولم يحرّك هذا العرض شيئاً في مشهدية الريبة المتبادلة، بل المتنامية، بين واشنطن وبكين. منذ الخريف الفائت، تصاعدت وتيرة الاتهامات المتبادلة بين الدولتين اللتين تمتلكان أكبر اقتصادين عالمياً، ووجّه كل منهما أصبع الاتهام إلى الأخرى، مُحمّلاً إياها المسؤولية باختراق مواقع حساسة على الإنترنت لأجهزة حكومية وشركات كبرى، خصوصاً تلك التي تشارك في الصناعات الحربية والبحوث العلمية المتقدّمة. كلمات... أدلت إحدى شركات أمن الكومبيوتر الأميركية بدلوها في هذا المجال، عبر الإشارة الى «الوحدة 61398» بوصفها مصدراً لهجمات تستهدف في غالبيتها الولاياتالمتحدة. في السياق عينه، ناشد توم دونيلون مستشار الأمن القومي الأميركي، الصين أن تعترف بالمشكلة وتنخرط في مفاوضات واضحة حولها. واستجابت الصين لهذه المناشدة، إذ صرّحت هوا تشو يينغ، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، بأن بلادها على استعداد للتعاون مع أميركا والمجتمع الدولي في مسألة حفظ أمن الإنترنت. لكن بينغ اعتبرت أن بلادها من أكبر ضحايا الاختراق الإلكتروني، وهو موقف يكرّره مسؤولون صينيون كثيرون. وكذلك أصرّت الصين على أن موقعين عسكريين صينيين رئيسيين على الإنترنت، أحدهما موقع وزارة الدفاع، تعرضا لأكثر من 140 ألف هجوم إلكتروني شهرياً عام 2012، كانت أميركا مصدراً لما يزيد على ثلثيها. وبذا، بدا أن التهدئة بين أميركا والصين في الفضاء الافتراضي، توقّفت عند حدّ الكلمات المنمّقة. ويتوقع مسؤولون في البلدين أن تشكّل مسألة أمن الإنترنت وهجمات الفضاء الافتراضي، إحدى المسائل الشائكة في المحادثات المقبلة بين القيادة الصينية الجديدة ونظيرتها في البيت الأبيض.