في ممر طويل ضيق في إحدى الحدائق، تُفاجأ فتاة شابة بمن يظهر وينقض عليها. كان شاباً قوياً، فصرخت فيه تنادي إنسانيته وشرفه «الرجولي» قائلة إنها مثل أخته، لكنه حاول الإمساك بها قائلاً إنّ لا أخوات لديه قبل أن يقع نتيجة مفاجأتها له بسائل يسبب عمى لحظياً، فيذهب إلى المستشفى مكسور الرجل ليفاجأ هذه المرة، مصعوقاً، بأن الممرضة هي الفتاة نفسها التي تحرش بها فيرتاب... وتتوقف الصورة عند هذه اللحظة التي يكتشف كلاهما فيها أنهما تقابلا مجدداً وإن انقلب الموقف: فها هو قد أصبح «تحت رحمتها» في سريره... وبدا عليه الخوف والرعب مما قد تفعله به. وهنا تظهر صورة أخرى، في إطار الكليب ذاته، لوجه الممثل خالد النبوي المعروف بنشاطه السياسي، وهو يعلّق على ما حدث قائلاً: «خفت... خفت يا عنتر... أكيد لأنك جبان... طلعت أجدع منك... مش كده... المرة الجاية هي اللي حتوريك... مصر محدش يتحرش بيها». وبعدها يملأ الشاشة شعار مكتوب بخط عريض: «معاً لمكافحة أفعال لا إنسانية». من يشاهد هذا الإعلان التحريضي (يسمونه التوعوي) تجذبه الصياغة الدرامية والفنية لكونها تقسم بالبلاغة والمقدرة على إيصال أفكار في إطار ثوان، إضافة إلى قوة تعبير الشابين اللذين قاما ببطولته، وبينهما الفنانة الشابة ألفت السباعي التي لفتت الأنظار في أعمال عدة أهمها فيلم يسري نصرالله الأخير «بعد الموقعة»، ثم هناك الظهور القوي لممثل نجم يسخر من المتحرش والمتحرشين، بكنية شهيرة هي «عنتر»، الاسم الذي يعني في الوجدان الشعبي القوة والفحولة، وربما جاء إنجاز هذا الإعلان – الذي بدأ عرضه منذ أيام قليلة على الشاشات المصرية الخاصة – في اختتام سلسلة طويلة من الشكاوى والاحتجاجات لعدد من أطياف المجتمع المدني في مصر، سواء أعضاء الأحزاب المدنية الجديدة، أو أعضاء التحالفات الثورية والحركات الشعبية الداعية للنضال ضد الاستبداد السياسي الذي يمارسه حكم «الإخوان المسلمين» وحلفائهم، وحيث عانت النساء المصريات على مدى الشهور السابقة من تحرش جماعي ممنهج ضدهن في ميدان التحرير وما حوله من ميادين، وذلك بغرض إبعادهن عن التظاهر والمشاركة في المطالبة بحقوقهن والحقوق التي اندلعت الثورة من أجلها، ووصلت موجة التحرش إلى عنفوانها في كانون الثاني (يناير) الماضي حين نزلن في الذكرى الثانية للثورة، وهو ما سجلته عدسات كثيرة لقنوات مصرية وعربية ودولية، ما أثار غضباً عارماً في نفوس الغالبية التي تتابع في البيوت مشاهد التحرش وردود الفعل. السينما المصرية كانت سباقة في تسليط الضوء على التحرش، خصوصاً من خلال فيلم محمد دياب الشهير «876» عام 2009. وعلى رغم أن كثراً اعتقدوا أن التحرش مرض اجتماعي سيزول بعد الثورة، لكن الخصومة السياسية «وإرادة التكويش» على مصر دفعت خصوم الدولة المدنية لإطلاق المتحرشين لردع النساء وليصبح التحرش نوعين، ولذلك جاء هذا الإعلان في وقته تماماً ولعل غيره آتٍ في الطريق.