الفوتوغرافي السعودي محمد محتسب يُتوَّج بلقب ZEUS    "الفطرية": ولادة خمس غزلان ريم في" الواحة العالمية"    الديوان الملكي: وفاة الأمير عبدالله بن مساعد آل عبدالرحمن    في إنجاز عالمي جديد يضاف لسجل تفوقها.. السعودية تتصدر مؤشر تمكين المرأة في مجال الذكاء الاصطناعي    "الموارد": "الفرع الافتراضي" خفض الزيارات الحضورية 93 %    السعودية رائدة في مجال المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية    شدد على منع امتلاك النووي.. ترامب: محادثات مباشرة بين أمريكا وإيران    السعودية بوصلة الاستقرار العالمي (2-3)    وزير الخارجية يصل إلى واشنطن في زيارة رسمية    في ذهاب نصف نهائي أبطال آسيا 2.. التعاون يهزم الشارقة الإماراتي ويضع قدماً في النهائي    في ذهاب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه دورتموند.. وباريس يخشى مفاجآت أستون فيلا    ضبط مقيم في الشرقية لترويجه "الأمفيتامين"    «القمر الدموي».. خسوف كلي يُشاهد من معظم القارات    إطلاق الاختبارات الوطنية "نافس" في جميع مدارس المملكة    وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز التعاون العسكري    15 ألف قرار بحق مخالفين    أمير جازان يرأس اجتماع لجنة الدفاع المدني الرئيسية بالمنطقة    جازان تودّع شيخ قبيلة النجامية بحزن عميق    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في يومي الصحة والتوحد العالمي    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم عدة مناشط دعوية في الدوائر الحكومية خلال الشهرين الماضيين    صحيفة الرأي توقّع عقد شراكة مع نادي الثقافة والفنون    إنجاز طبي سعودي.. استئصال ورم في الجمجمة بالمنظار    تقلب المزاج.. الوراثة سبب والاتزان النفسي علاج    مسبار يستقر في الفضاء بنجاح    ملتقى ومعرض المنصات المالية الذكية iPExpo2025    السعودية وإعادة رسم خريطة التجارة العالمية    الحملة الوطنية للعمل الخيري في نسختها الخامسة تتجاوز 1.8 مليار ريال    تمير من سدير يا جمهور الهلال!    رحلة آمنة    ديربي حائل بشعار الصعود.. العين يلتقي أحد.. الجندل يواجه العدالة    6 أندية ترافق الخليج والهدى إلى ربع نهائي كأس اتحاد اليد    بجوائز تتجاوز 24 مليون يورو.. انطلاق "جولة الرياض" ضمن جولات الجياد العربية    رودريغيز يستهدف جيسوس للتغطية على كوارثه!    ثقافات الفن وتأويلاته المبتكرة «على مشارف الأفق»    باقي من الماضي والآثار تذكار    الدرع قصدك فيه فرحة والاوناس لاشك عند اللي يجي له ثميني    سلوكيات بريئة تشكك بالخيانة    NASA تعجز عن إرسال رحلة للمريخ    ثغرة خطيرة في WhatsApp    التصوير بالرنين المغناطيسي يضر الجسم    عودة الذئب الرهيب بعد 10000 عام    الشعور بالجوع يعيد تشكيل الخلايا المناعية    سعود بن بندر: الاستثمار في البنية التحتية الذكية والابتكار يؤتي ثماره في تحسين جودة الحياة    زهرة اللبن (الأقحوانة البيضاء) حورية الرومان وملهمة الشعراء    دول آسيا تبحث عن حلول للتعامل مع حرب التجارة الصينية الأمريكية    روسيا: مستقبل الحد من الأسلحة النووية.. يعتمد على الثقة    تصاعد الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر ومالي    الأهلي المصري يكرر فوزه على الهلال السوداني ويتأهل إلى نصف نهائي «أبطال أفريقيا»    قلق أممي إزاء وضع المدنيين في السودان    أمير المدينة يلتقي قائد أمن المنشآت    فهد بن سلطان يستقبل وكلاء ومنتسبي إمارة تبوك بمناسبة العيد    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    أمير منطقة تبوك يستقبل وكلاء ومنسوبي الامارة بمناسبة عيد الفطر    مباحثات لتعزيز التعاون الدفاعي بين السعودية والعراق    رئاسة الافتاء تصدر كتابا علمياً عن خطر جريمة الرشوة على الفرد ومقدرات الوطن    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظِّم لقاء معايدة    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول مواجهات الانتماء في شعر الجزيرة العربية
نشر في الحياة يوم 02 - 04 - 2013

الشاعر أحمد راشد ثاني، شاعر الإمارات الذي رحل أوائل عام 2011، أي بعد الشاعر السعودي محمد الثبيتي بعام واحد، تأمل أيضاً وطناً غائباً وانتماءً صعباً. وسواء كتب بالفصحى أم بالعامية، التي اجتهد كثيراً في إحياء موروثها الشعبي، فهو مأزوم بالانتماء باحث عن الهوية الحقيقية. في قصيدة نثرية بعنوان «هزائم الرمل» من مجموعته «وهنا اللذة» يخاطب أحمد راشد ثاني البلاد التي أساءت بحق أهلها وحق مكونيها الرئيسين: الصحراء والبحر: على الطريق أكلتِ مستقبلهم/ وجعلتهم/ينتعلون بقايا الآبار،/جعلت على سيقانهم/هزائم الرمل/ ولحريتهم السماء/موضوعة على الأرض».
مع أن الدلالة الأقرب للآبار هي آبار الماء التي جفت فصارت مجرد نعال يطؤها الراحلون، فإن من الصعب تجاهل إيحاءات النفط في تلك المفردة، لأن النفط، كما يبدو منطقياً، لم يكن بدوره عوناً لهؤلاء الذين لم يتوغلوا سوى في سراب البلاد الذي تبدو البلاد نفسها تائهة فيه: لعذاباتهم التي لا يتذكرونها/ أسماء كثيرة يوزعونها/ كالأشجار على الطرقات/ ويبيعون اليأس/ لقوافل ستعبر الفجر/ وتتوغل في سرابكِ/ الذي لا تخرجين منه».
إن انفصال البلاد عن مكوناتها يعني تيهها هي في اللاانتماء، في كينونة هشة، كينونة ورقية، كما وصفها صوت شعري إماراتي آخر هو صوت ميسون صقر.
في قصيدة من مجموعتها «جريان في مادة الجسد» تحمل عنوان المجموعة، تنظر الشاعرة في واقع مرير يصاب فيه الإنسان بالشلل إلى حد الرغبة في إشعال الحريق بما تراه كياناً من ورق: نصف جسمي مشلول في الحركة/وساكن نصفه الآخر/لا يحلم سوى بالنصف المطفأة فيه دائماً/ وساوس الانتحار/أشعلت حريقاً في غرفتي/علني أنقذ أمومة تسيل/علني أحرق وطناً من الورق المقوى/ وأسقط محترقة - فاحمة...».
حضور ميسون صقر إلى إشكالية الانتماء هنا يعني حضور إشكاليات أخرى، إشكاليات الأنوثة، حضورها بمعاناة إضافية تطرح المزيد من الأسئلة حول إمكانات الانتماء. هنا يأتي القمع الخاص، قمع الوطن مضافاً إلى قمع القبيلة والأسرة، القمع الجندري، الذي يجعل الانتماء قلقاً دائماً: كل قبيلة مسودة لتاريخ قمعي/
كلهم ضلفة باب يسد عليّ قامتي/ كلهم أهالوا ترابهم/ وحاكموا بؤرة تفجر ماءها بالنضب...».
القبيلة التي تمارس القمع هنا ليست بالتأكيد تلك التائهة في الصحراء بحثاً عن الماء والانتماء. هنا تمثل القبيلة بوصفها ضياعاً لانتماء مشتهى، انتماء حضري أو مدني تتحرر فيه الأنثى من قيود التقاليد والمحافظة الخانقة. هذه الإشكالية الأنثوية تنتشر على طول الخريطة الشعرية في الجزيرة العربية، عند فوزية أبوخالد من السعودية، وحصة البادي من عمان، وابتسام المتوكل من اليمن. تشكو ابتسام من كبت اجتماعي قبلي يرى صوت المرأة عورة فتقول: لا أجرؤ على التفكير/ بصوت عال/ أدرك تماماً/ في الأمر معصيتان: أنت/ و/ صوتي».
بيد أنه ليست كل أنثى على قلب امرأة واحدة. الشاعرة الكويتية سعدية مفرح تنظر من زاوية مختلفة لانتمائها، فهي لا ترى في القبيلة تاريخاً من القمع أو ضياع الهوية، بل على العكس تماماً، فهي ترى في ابتعادها عن الصحراء والانتماء القبلي تائهة في صحراء التمدن. في مجموعتها المبكرة «آخر الحالمين كان» تعلن سعدية عن انتمائها إلى قبيلة غائبة، قبيلة تمنحها الهوية، لكنها في المقابل تكافئ القبيلة بخيانة التمدن: أخونها/ في كل ليلة/ أعاشر الضياء/ لكنني/ أضبطها في لحظة الخيانة/ راسبة في قاعي/ مثل بقايا قهوة المساء/ تمد لي لسانها/ تضحك من حضارتي المسكوبة/ المهانة».
في نص متأخر نسبياً يتواصل تكنيك المفارقة، المتمثلة هنا بتحول الحضارة إلى مجرد فنجان قهوة مسكوب، وذلك في نص تزداد فيه المفارقة رهافة حين تشعرنا القصيدة بأن الصحراء مكان مرفوض وموحش، في مقابل مدينة تعمرها السيارات والطائرات، وتملؤها الشوارع الطويلة والعريضة. لكن نهاية القصيدة تظهر أن أولئك الهاربين إلى وحشة الصحراء إنما هربوا إلى انتماء أفضل وأنقى، فالصحراء بيتهم الأجمل:
«وحشة» الصحراء؟!/ يا لوحشة البيت المتسع/ وفراغه البائس المخيف. الصحراء إذاً؟!/ يا لوحشتها في فضاء المدن التي تعرض وتطول شوارعها بسرعة. والطائرات التي تطير على بعد منخفض/ وهؤلاء الذين يفضون بلاهتها القديمة/ من أجل عطلة نهاية أسبوع خالية من التلوث».
في لقاء مطول أجري معها عام 2003 سُئلت سعدية مفرح عن علاقتها بالصحراء، فأكدت في إجابتها انتماءها القبلي/ الصحراوي: «أنا أنتمي إلى جذور قبلية صحراوية، وعلى رغم أنني أعيش الآن في المدينة، وأنحاز لقيم المدينة، وأعمل وفقاً لاشتراطاتها وأستفيد من عطاياها الحديثة، إلا أن هذا لا يجعلني أنسى فترة من فترات حياتي عشتها بشكل واقعي في الصحراء وفي خيمة أو بيت مصنوع من الشعر الأسود فعلاً. ثم أن أعيش في المدينة لا يجعلني أنسى أنني كائن صحراوي بحكم التكوين الأولي على الأقل، لكن الصحراء صارت الآن بالنسبة إليّ مرجعية شعرية لا نهائية». الصحراء تبقى مرجعية للشعر والانتماء في حالات أخرى كثيرة على امتداد المشهد الشعري في منطقة الجزيرة العربية، لكن تلك المرجعية ليست دائماً محل احتفاء، مثلما أنها ليست محل رفض صارم أيضاً. ثمة حالات من المراوحة، أو حالات مركبة ومشوبة ببعض الغموض تمثل فيها الصحراء بوصفها إرثاً يمنح الانتماء لكن على مضض، إرثاً ثقيلاً لا مفر من الاعتراف به. تلك هي الحالة التي يعبر عنها شعراء مثل السعودي محمد عبيد الحربي والإماراتي إبراهيم الملا والعماني سيف الرحبي. في عدد من مجموعات الرحبي تأتي الصحراء بوصفها ضرورة وجودية تحاصر الكائن البشري بانتمائها الجغرافي والإنساني الموروث عن طريق السلالات المتراكمة. مجموعة الرحبي «جبال» تبدأ بنص عنوانه «صحراء» يبرز ما أشير إليه: في هذه الصحراء العاتية/ الصحراء التي تسيل مع الشمس كثباناً وشياطين/ تناسل الأسلاف جدّاً بعد جد/ ونبتنا مصل أشجار صخرية/ راكضين بين الشاطئ والجبال/ بأرجل حافية وقلب مكلوم».
يتضح بعد ذلك أن الرحلة انتهت إلى ما يسميه الشاعر «بلدان العالي» التي لا تتضح دلالتها، لكن الواضح أنها نقيضة للصحراء استناداً إلى خيبة الأمل المرجو من الذهاب إليها: وحين سافرنا إلى بلدان العالي/ لم نجد أثراً للأضحية في ثيابنا/ ولم نجد ضالة الحنين». ثمة انتماء حائر أو ضائع إذاً، فلا الصحراء ولا مدن العالي قادرة على منح المعنى للإنسان.
حيرة الانتماء، ضياعه، شتاته، هي إذاً خلاصة هذا المشهد الذي حاولت رسمه هنا والذي أود أن اختمه بلون مختلف، لون من حيرة الانتماء مشتق من إشكالية اللون نفسها، لون اختاره لقصيدته شاعر شاب هو عبدالله عبيد في مجموعته «كطير.. ما» التي يهديها إلى «تلك الزهرة الأفريقية التي احتفل بها التراب.. جدتي»، التي يفتتحها باقتباسات من محمد الفيتوري وعنترة بن شداد إلى جانب والت ويتمان، التي يقتبس في إحدى قصائدها من شاعر الزنوجة المارتينيكي إيميه سيزير. عبدالله يطرح إشكالية اللون والعرق بوصفهما حاكمين للهوية ومواجهات الانتماء: لا شيء.. قال: الوهم قافيتي/ كفرت بلون الماء/ أخيلتي/... وأنهم قرؤوا/ جهراً لضج الطين/ في لغتي ... ضيعت دربي.. لم أجد وطناً/ أزهو به في تيه/ خريطتي».
إشكالية اللون بوصفه محدداً للانتماء يطرحها هذا الشاب العشريني منذ البدء حين يقول: «عارياً عدت من/ موطن الليل أحمل/ نطفة جدي/ كذنب عظيم».
إنها مواجهات الانتماء، لكن بلون مختلف ومنسي وبالغ الأهمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.