لم يتأكد بعد ما إذا كان الوسيط القطري سيعاود وساطته لدى «جبهة النصرة» و «داعش» لإطلاق العسكريين اللبنانيين المخطوفين، خصوصاً أنه غادر فجأة الى الدوحة بعد جولة من المفاوضات معهما لم يأخذ فيها منهما، لا حقاً ولا باطلاً، لأنه - كما تقول مصادر سياسية مواكبة للمسعى القطري - لم يحصل على استجابة من الخاطفين الذين لا يبدون جدية، لا في المفاوضة ولا في المقايضة. وتوقفت المصادر نفسها أمام الاتصال الذي أجراه رئيس الحكومة تمام سلام بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لتهنئته بحلول عيد الأضحى، ونقلت عن الأخير قوله: «نحن تعهدنا تقديم المساعدة للبنان للإفراج عن العسكريين المخطوفين وسنواصل مساعينا مع اننا نواجه صعوبة». وسألت المصادر ما إذا كانت قطر في ضوء ما سمعه الرئيس سلام من أميرها تدرس الانكفاء عن المضي في وساطتها، ليس بسبب ارتباطها بالائتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب فحسب، وإنما لشعور الوسيط القطري بأن لا مرجعية للخاطفين وليست لديهم مطالب بمقدار ما انهم يواصلون تهديدهم من خلال استغلالهم مشاعر أهالي العسكريين. وكشفت ان الوسيط القطري يشكو من معاناته من الخاطفين الذين لم يتمكنوا حتى الساعة من أن يحسموا أمرهم ويقولوا ماذا يريدون في مقابل الإفراج عن العسكريين، حتى انهم إذا قالوا ماذا يريدون من الدولة اللبنانية، فإنهم سرعان ما ينقلبون على مطالبهم ويتقدمون بمطالب أخرى لا تمت بصلة الى المطالب التي تقدموا بها في السابق. وسألت المصادر نفسها ما إذا كانت لعدم استقرار الخاطفين على مطالب واضحة ومحددة تتيح للوسيط القطري ان ينقلها الى الحكومة اللبنانية للوقوف على رأيها منها علاقة بوجود اختلاف أو أكثر من رأس في داخل المجموعة الواحدة، خصوصاً «داعش» أم انهم يتبعون سياسة المراوحة من خلال اصرارهم على توزيع الأدوار في ظل غياب مرجعية واحدة يمكن الركون اليها لتفعيل المفاوضات؟ كما سألت هذه المصادر عن الأسباب الكامنة وراء عدم التزام «داعش» تعهداتها أمام الوسيط القطري لجهة ضمان سلامة العسكريين طالما ان المفاوضات قائمة، وإلا ما هو المبرر لإقدام «داعش» على ذبح الجندي عباس مدلج في الوقت الذي استجاب الجانب اللبناني طلب المجموعات المسلحة بنقل عدد من الموقوفين من نظارة الشرطة العسكرية في الريحانية الى سجن رومية؟ وأكدت ان الجانب اللبناني أظهر حسن نية في استجابته لهذا الطلب الذي نقله اليه الوسيط القطري، خصوصاً ان الأخير أبدى ارتياحه وتعامل مع هذه الخطوة على انها تساهم في خلق مناخ من التهدئة يدفع في اتجاه تفعيل المفاوضات، لكنه فوجئ بذبح مدلج خلافاً للتعهد بضمان سلامة العسكريين وعدم تصفيتهم. ومع ان عدم التزام المجموعات المسلحة بتعهدها - كما تقول المصادر - أحرج الوسيط القطري، فإنه استمر في تواصله معها في محاولة للتأسيس لمرحلة جديدة من المفاوضات بعيداً من التهديد والابتزاز، وهذا ما يدفع الى السؤال عمن هو المسؤول الذي يقف وراء التصعيد في ظل استمرار التواصل. اضافة الى ان «داعش» و «النصرة» لم يتوقفا عن اللعب بأعصاب أهالي العسكريين مستغلَّين استعدادهم للقيام بكل شيء يمكن ان يؤدي الى الافراج عن أولادهم. كما ان «داعش» و «النصرة» لم يتوقفا عن تحريض الأهالي على الدولة بذريعة انها ما زالت تتردد في حسم أمرها وصولاً الى تحريف الحقيقة بذريعة ان الوسيط القطري لم يجتمع معهما حتى الساعة، مع انه يكون في الطريق الى بلدة عرسال بعد ان عقد لقاءات في جرودها معهما. كما ان المجموعات المسلحة ترفض حتى الساعة الدخول في صلب المفاوضات التي تستدعي منها التقدم من الوسيط القطري بلائحة بكل مطالبها ليكون في وسعه نقلها الى الحكومة للنظر فيها وإبداء رأيها بعد تفويض مجلس الوزراء رئيسه تمام سلام بالتفاوض على رأس خلية أزمة شكّلها لهذه الغاية ويساعده فيها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. ولفتت المصادر الى ان تصرف المجموعات المسلحة مع الوسيط القطري وضعه في حيرة من أمره، إذ إنها تبدي استعدادها لإعداد لائحة بالمطالب ثم سرعان ما تعود عن رأيها، وسألت ما إذا كان لترددها في حسم أمرها علاقة مباشرة بالتطورات الميدانية والعسكرية المتسارعة في منطقة القلمون السورية مع تصاعد حدة المعارك بينها ومعها مجموعات أخرى من المعارضة وبين الجيش النظامي في سورية مدعوماً بمقاتلين من «حزب الله». وأكدت ان المجموعات المسلحة تتصرف تارة وكأنها مرتاحة حيال سير المعارك في منطقة القلمون وأخرى وكأنها محشورة وبالتالي ترغب اليوم قبل الغد في الوصول من خلال الوسيط القطري الى اتفاق مع الجانب اللبناني يسرّع في الإفراج عن العسكريين. ولاحظت أيضاً ان ما يشاع عن وجود تمايز بين «داعش» المتشدد و «النصرة» المرنة لم يصرف في مكان وتحديداً في اتجاه مبادرة الأخيرة الى اطلاق اشارات ايجابية تشجع الوسيط القطري على المضي في وساطته. واستغربت هذه المصادر ما يقال من حين الى آخر من ان الدولة ليست عازمة على التفاوض وأن هناك من الأدلة ما يثبت تلكؤها في هذا الشأن. وقالت: «لقد بات واضحاً ان المجموعات المسلحة تخطط لإحداث شرخ بين الحكومة وأهالي العسكريين وهي أخذت تتصرف، على الأقل في المدى المنظور، وكأنها تراهن على الإبقاء على الجرح المترتب على خطف العسكريين نازفاً ومفتوحاً بهدف ارباك الوضع في الداخل». وقالت إن الحكومة ماضية في مفاوضاتها لإطلاق العسكريين وتضع نفسها في خندق واحد مع اهاليهم وأن لا مجال للعب على التناقضات تارة أو ممارسة المجموعات المسلحة التحريض على الدولة تارة أخرى، من خلال ابتزازها الأهالي بتزويدهم عبر شبكات التواصل بمعلومات غير صحيحة، اضافة الى تهديدها لهم من حين الى آخر بأن هذا الجندي المخطوف أو ذاك سيلقى حتفه قريباً ما لم تستجب الحكومة لطلباتها مع انها لم تسلّمها بصورة نهائية الى الوسيط القطري. وعليه، سألت المصادر: «هل بدأت المجموعات المسلحة تمارس حربها النفسية على الوسيط القطري لدفعه الى اليأس افساحاً في المجال أمام دخول وسيط آخر على خط المفاوضات أم انها تريد منه مطالب تتعدى قدرة الجانب اللبناني على تلبيتها الى جهات خارجية؟». لكن هذه المصادر بدأت تدقق في ما أخذ يتردد في الساعات الماضية من ان «النصرة» و «داعش» أعلما الجانب اللبناني عبر قنوات عدة بأنهما ينصحان الحكومة بتسمية وسيط من جانبها ويكون موضع ثقة لديهما، ما يعني انهما يحتفظان لنفسيهما بحق الاعتراض إلا اذا كان الوسيط الجديد على صلة مباشرة ب «هيئة العلماء المسلمين». واعتبرت ان «النصرة» و «داعش» لا يعترضان على اعادة الاعتبار لدور «هيئة العلماء المسلمين» في التوسط لإطلاق العسكريين أولاً لأنهما يثقان بها وثانياً لدورها في الأيام الأولى التي أعقبت وقف الاشتباكات في عرسال بين الجيش اللبناني وبينهما عندما حاولا السيطرة على البلدة وشنّا اعتداء استهدف وحداته المنتشرة فيها أو حولها. وكانت «هيئة العلماء» تبرعت للقيام بوساطة تحت عنوان التوصل الى «هدنة انسانية» بين الجيش والمجموعات المسلحة من دون ان تكلفها الحكومة بها ثم عادت وقررت تعليقها بذريعة ان هناك جهات خارجية تستعد للقيام بوساطة بطلب من الحكومة، والمقصود بها في حينه قطر وتركيا. ويبقى السؤال: هل سيكون في مقدور «هيئة العلماء» في حال تقرر اعتمادها وسيطاً جديداً التغلب على الصعوبات التي واجهها الوسيط القطري، وبالتالي التوصل الى اتفاق من طريق المبادلة أو المقايضة لإطلاق العسكريين ام ان هناك حاجة لتعويم دورها لتبرير سياسة «تمرير الوقت» التي ما زالت تتبعها المجموعات المسلحة؟