عُقدت القمة العربية ال24 في مدينة الدوحة يوم الثلثاء الماضي، وقد كان تبوء المعارضة السورية لمقعد سورية في الجامعة العربية هو الحدث الأبرز في هذه القمة، التي جاءت وسط كم هائل من الأحداث والتحديات التي تواجهها الدول العربية، أبرزها الأزمة السورية المتفاقمة والمؤلمة جداً، إذ لا يزال الشعب السوري، وبعد مضي سنتين من الأزمة، وحده يتعرض لأبشع أنواع العنف الممنهج من نظام يرفض لغة العقل، ولغة الحوار، ولغة المنطق، ويتهم كل من يخالفه بالتآمر عليه، وهو ما جعل المعارضة تتجه إلى حمل السلاح، على رغم أن بدايتها لم تكن كذلك. لقد كان موقف الجامعة العربية منذ بداية الأزمة منقسماً ولم يكن مجمعاً على الأزمة السورية، فغالبية الدول العربية مع الوقوف إلى جانب الثورة السورية، باستثناء العراق والجزائر ولبنان، معارضين أي تدخل في الشؤون السورية، ورفضت هذه الدول القرارات التي تتخذها الجامعة العربية، بحجة أنها تخالف ميثاق جامعة الدول العربية، الذي ينص على الإجماع في القرارات الصادرة من الجامعة العربية، ولذلك لم تكن جامعة الدول العربية ناجحة في يوم من الأيام بسبب هذا الميثاق المثير للجدل، علماً بأنه منذ غزو العراق للكويت عام 1990، أصبح الإجماع غير ملزم، إذ اتخذت الدول العربية في ذلك الوقت قراراتها بالغالبية لإخراج العراق من الكويت، ولذلك ليس هناك مبرر للذين ينتقدون قرار القمة العربية بمنح المعارضة السورية مقعد سورية في الجامعة العربية. إن الموقف الدولي تجاه الأزمة السورية لا يزال متذبذباً وغير بناء، فالولايات المتحدة الأميركية تتأرجح في مواقفها بين التأييد السياسي للمعارضة، ورفض التسليح بحجة المجموعات الإسلامية المتشددة، علماً بأن قادتها كانوا قد أعلنوا مواقفهم السياسية ومطالبتهم «الأسد» بالتنحي، وهو موقف يحسب عليهم، والاتحاد الأوروبي يرفض تسليح المعارضة السورية، على رغم الضغوط البريطانية والفرنسية التي لا نعلم مدى صدقيتها، علماً بأن النظام السوري يتلقي أنواع الأسلحة كافة من روسياوإيران بشكل متواصل، إضافة إلى الدعمين السياسي والاقتصادي اللذين مكناه من الصمود حتى الآن، ولذلك لا ألوم رئيس الائتلاف السابق معاذ الخطيب عندما قدم استقالته، حتى يُظهر مدى امتعاضه وغضبه من الموقف الدولي غير المتزن تجاه ما يجري في سورية، خصوصاً الموقفين الأوروبي والأميركي، وبعد مؤتمر الاتحاد الأوروبي في «دبلن»، التي رفضت فيه الدول الأوروبية فكرة تسليح المعارضة، إذ بدأ الموقف الدولي، خصوصاً الغربي، يلعب دوراً في إطالة أمد الأزمة السورية، وأعتقد أنها لعبة مصالح بين الأطراف الدولية، لتحقيق أكبر مكاسب من خلال الأزمة السورية، في قضايا دولية أخرى، ويدفع ثمن هذه المصالح الشعب السوري من دمائه ومقدراته ومستقبله. كما أن الاستقالات التي تظهر على السطح بين الفينة والأخرى من بعض أفراد المعارضة السورية، احتجاجاً على بعض القرارات، تشكل هاجساً مقلقاً للمؤيدين لهذه المعارضة، ويعزز المقولة التي يحاول النظام ترويجها وتكريسها بأن المعارضة مشرذمة وغير متفقة، وكذلك يقلق الشعب السوري، حول ماذا ستفعل هذه المعارضة بعد سقوط النظام إذا كانت على خلافات شخصية في ما بينها، ولذلك على المعارضة السورية أن توحد الرؤى والأهداف، وأن تضع مصلحة الشعب السوري فوق أي مصالح شخصية أو فئوية أو حزبية، وتتفق مع المقاتلين في الميدان على شكل وكيفية إدارة الدولة، وهو ما يطمئن المواطن السوري وأي مؤيد لهذه المعارضة بأن المعارضة قادرة على قيادة البلاد في كل المراحل، سواء انتقالية أو دائمة. من يتابع الوضع في سورية يصيبه قلق وإحباط، فالشعب السوري أصبح ضحية لنظام مستبد، ومواقف دولية مترددة وغير مبالية، وبين جامعة دول عربية تصدر من البيانات الكثير من دون قدرة على التنفيذ، نظراً لعدم قدرة هذه الجامعة على امتلاك القوة العسكرية لتنفيذ قراراتها، فالقوة العربية مفقودة على أرض الواقع، والاتفاق على ميثاق الدفاع العربي المشترك مفقود، وحتى لو وجد ليس هناك قوة عربية تستطيع التدخل الآن، ولا حتى في المستقبل القريب، ما يجعل المواطن العربي لا ينظر للجامعة العربية باحترام، فهي لم تستطع في يوم من الأيام، تنفيذ أي من قراراتها، إلا في حال اتفاق الزعماء العرب جميعهم. لقد كان من ضمن بنود البيان الختامي لقمة الدوحة شجب الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث، إذ تكرر هذا الشجب في جميع القمم العربية السابقة ومنذ احتلال الجزر، لكن ليس هناك إجراء تجاه هذا الاحتلال، أو غيره من التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية، كالبحرين والمملكة العربية السعودية واليمن ولبنان والعراق وغيرها من الدول العربية الأخرى، خصوصاً بعد كشف المملكة العربية السعودية قبل أسبوعين لشبكة التجسس التي تمولها وتديرها إيران، وتستهدف زعزعة واستقرار أمنها، لذلك أصبحت الجامعة العربية غير فاعلة، وتحتاج إلى إعادة هيكلة مؤسساتها ومواثيقها التي عفا عليها الدهر، فلا يزال الجدل يدور بين الأعضاء بين مؤيد ومعارض لقراراتها بسبب ميثاق الجامعة الذي يستلزم الإجماع على قراراتها، ما يجعلها في حال شلل دائم في اتخاذ أي قرار حاسم. لا شك في أننا نتطلع لأن تكون للدول العربية جامعة فاعلة، تستطيع أن تتفاعل مع ما يدور من أحداث، وأن تسهم في بناء منظومة العمل العربي المشترك، وتسهم في رقي واستقرار الشعوب العربية، وتضع رؤى وتصوراً لتنفيذ قراراتها، خصوصاً في ما يتعلق بالتدخلات الخارجية في الشؤون العربية من بعض الدول الإقليمية الطامعة في زعزعة استقرار الدول العربية، لذلك لا بد من العمل على صياغة ميثاق عربي مشترك جديد تكون قراراته بالغالبية وملزمة للجميع. والسؤال المطروح دائماً هو: متى نرى تنفيذاً لقرارات جامعة الدول العربية؟ * أكاديمي سعودي. [email protected]