رفضت التصريحات الحكومية العراقية أزاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد إسقاط النظام باستخدام القوة أو عن طريق تسليح المعارضة السورية. الموقف العراقي الرسمي الذي برز بقوة حين أمتنع العراق عن التصويت على تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عززته تصريحات لاحقة كان لها أثر واضح في إظهار العراق بمظهر المساند لنظام الأسد والمُنقاد للتأثير الإيراني على الساحة العراقية أكثر من أية قوة أخرى. رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي برر الانحياز العراقي الى الأسد مراراً، وكان آخرها أثناء انعقاد القمة العربية في بغداد في 29 آذار (مارس) الماضي بأن هذا الموقف ناتج من تجربة العراق المريرة في هذا المجال ومخاوفه من استخدام الأراضي السورية ساحة صراع لحروب وإيجاد أرضية للصراع الطائفي مثلما حدث في العراق. المالكي قال في شكل مباشر «إننا لا نؤيد استدعاء القوات الدولية أو الإقليمية للتدخل العسكري في الشأن السوري أو غيره، لكننا في الوقت نفسه ندعم كل الجهود التي من شأنها العمل على إيقاف العنف وإجراء الحوار الوطني بوصفه الخيار الوحيد لحل الأزمة في سورية وفي باقي الدول العربية، كما ندعم بقوة جهود المبعوث المشترك السيد كوفي أنان لتطويق الأزمة وحلها سلمياً في الإطار الوطني». الحكومة العراقية حاولت إمساك العصا من الوسط في قمة بغداد كي لا تظهر بمظهر الحارس للنظام السوري، وحتى لا تبرز مدى التأثير الإيراني في قمة العرب، وامتنعت عن طرح مبادرة عراقية حول القضية السورية تم إعدادها مسبقاً كان من بين نقاطها إيقاف تسليح المعارضة السورية، وإدانة العنف في البلاد، والدعوة إلى إيقاف التدخلات الخارجية في سورية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في حل الأزمة. المالكي كشف في المؤتمر الصحافي الذي عقده عقب القمة في الأول من نيسان (أبريل ) الجاري أن العراق قرر الامتناع عن طرح هذا المشروع في اللحظات الأخيرة واكتفى بعرضه اثناء الحوارات الجانبية مع بعض الزعماء العرب، لكنه اكد مجدداً ان العراق يقف ضد التسليح في سورية والتدخل في شأنها الداخلي والاستعانة بالقوة الدولية معتبراً ان مشروع كوفي أنان يمثل نصف المرحلة لحل القضية السورية. المحلل السياسي حيدر نزار قال ل «الحياة» إن موقف حكومة المالكي من النظام السوري لا يتعلق بمجاملة النظام الإيراني بقدر ما يخص المخاوف التي تشعر بها الحكومة في حال وصول جماعات متطرفة الى الحكم في سورية عقب إسقاط النظام مثلما حدث في معظم الدول العربية التي اختتمت ربيعها العربي بوصول المتشددين الى دفة الحكم. ويرى إن «العراق قد يعود الى المربع الأول في حال وصول المتطرفين الى حكم سورية بعد إسقاط نظام الأسد الذي بدأ يتخذ مواقف إيجابية من العراق في السنوات الماضية». وسبق للمالكي ان أكد هذه المخاوف في كلمته التي ألقاها أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربية حينما قال إن «العراق يحذر ومن منطلق الحرص على أشقائه، من أن تركب القاعدة والجماعات المسلحة موجة الانتفاضات العربية، كما ركبت موجة المطالب العادلة للشعب العراقي وشوهتها، حينها سيفاجأ المناضلون من أجل الحرية والتعددية والعدالة بأن الجماعات المتطرفة قد سرقت ربيعهم وأحلامهم وأمانيهم». سورية نقطة خلاف مخاوف المالكي وإن بررتها بعض النتائج المحبطة لثورات الربيع العربي بعد انسحاب الأطراف المعتدلة من الساحة ووصول المتشددين الى الصدارة، إلا انها لم تعكس حقيقة الأمر، فالمراقبون للوضع السياسي في العراق يجدون في تعاظم التأثير الإيراني على الحكومة العراقية، والذي فاق التأثير الأميركي في أشواط كثيرة سبباً رئيساً في هذه المواقف من سورية. موقف العراق من نظام الأسد، وإن اتسم بنوع من المجاملة للزعماء الذين حضروا قمة بغداد، إلا انه بات اكثر تشدداً بعدها، الأمر الذي انعكس على علاقة الحكومة مع الأكراد المؤيدين لأسقاط نظام الأسد. فالأزمة السورية تمثل واحدة من نقاط الخلاف بين الحكومة المركزية والأكراد الذين يدعمون أكراد سورية. هذا الدعم وإن لم يتضح في شكل كبير في وسائل الإعلام لكنه بدا واضحاً من خلال بعض النشاطات التي رعتها حكومة الإقليم في الشهور الماضية. فرئيس الإقليم مسعود بارزاني سبق واستقبل رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون في الإقليم، كما شهدت أربيل إقامة مؤتمر كردي - سوري، حضره 245 مندوباً من 25 دولة أوروبيّة وأميركا والخليج برعاية رئيس الإقليم وتحت غطاء مؤتمر الأكراد المغتربين. موقف الأكراد المختلف عن موقف بغداد من نظام الأسد تسبب في تصاعد حدة التصريحات بين الطرفين حتى أن رئيس اقليم كردستان قال من واشنطن إن «حملة المالكي ضد السنة في الحكومة ناتجة من مخاوفه من سقوط نظام الأسد».