ما الترجمة العملية لجلوس المعارضة السورية في مقعد الجمهورية العربية السورية في القمة العربية الرابعة والعشرين؟ صحيح أن ما تمَّ في قمة الدوحة هو ضربة قاضية للنظام الطائفي الاستبدادي في سورية في إطار جامعة الدول العربية، وأن المعارضة قد كسبت موقعاً متقدماً على الصعيد السياسي والديبلوماسي. ولكن ما انعكاسات هذا المكسب على الصراع المحتدم الذي يجري اليوم على الأرض السورية؟ وماذا سيستفيد الملايين من النازحين واللاجئين والمهجّرين السوريين في الداخل والخارج، مِن هذا النصر السياسي والديبلوماسي الذي حققته المعارضة السورية؟ وهل سيكون ما تحقق في قمة الدوحة البداية لنهاية النظام الطائفي الذي يقتل شعبه ويدمر المدن والقرى والبلدات؟ الواقع أن ما يجري في سورية اليوم يفوق كل الكوارث التي عرفتها المجتمعات الإنسانية في هذا العصر. لقد عرف العالم الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الاحتلال أو تلك التي اقترفها المستبدون المهووسون بحبّ الهيمنة والسيطرة على الشعوب، وعرف العالم الحكام الطغاة الذين لا تردعهم قوانين ولا مبادئ إنسانية عن كسر إرادة شعوبهم وسفك الدماء. ولكن العالم لم يعرف نظاماً استبدادياً طاغياً يقصف مدنه وقراه بالصواريخ، ويوجّه طائراته الحربية إلى شعبه، ويمعن في القتل والتدمير والتخريب على هذا النحو الفريد من نوعه الذي يجري في سورية منذ أكثر من عامين. لقد كان صدام حسين طاغية جبّاراً وقاتلاً ظالماً، أهان شعبه وقهره وبطش به وجلب عليه الكوارث من كل صوب، ولكن بشار الأسد الذي درس الطب في انكلترا وعاش في الغرب سنوات، فاق صدام حسين في بشاعة جرائمه ضد الإنسانية. ولذلك فإن المأساة السورية لا نظير لها في الشرق أو في الغرب، واستمرار هذه المأساة الإنسانية المروعة يمثل خطراً على الأمن والسلم في هذه المنطقة من العالم. بل نقول إن تفاقم هذه المأساة المفزعة واستمرارها في وضعها الحالي من دون تدخل دولي إنساني لإنهائها، يشكلان إدانة للمجتمع الدولي برمته، ولمجلس الأمن بخاصة. فهل يكون للنصر السياسي والديبلوماسي الذي حققته المعارضة السورية في القمة العربية، تأثير على كسر هذا التواطؤ المريب، أو إبطال مفعوله، لفتح الطريق أمام قرار دولي يكون في مصلحة الشعب السوري، ويمهد لإسقاط النظام الاستبدادي الطائفي في دمشق المدعوم من إيران وعملائها في المنطقة بغطاء روسي صيني؟ أو بعبارة أخرى، هل يكون هذا المكسب حافزاً للوصول إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل تحقيق مكسب أكبر ونصر أعظم للشعب السوري على الصعيد الدولي؟ إن الفرص المتاحة للوصول إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال القرار الذي اتخذته القمة العربية، لعزل النظام السوري الذي فقد شرعيته - وفي الحقيقة ما كانت له شرعية منذ البداية - حتى تجلس المعارضة على مقعد حكومة دمشق في الجمعية العامة للأمم المتحدة - هذه الفرص المتاحة تشجع على التحرك في هذا الاتجاه. فهل ستقوم القمة العربية التي ترأسها دولة قطر، بهذا المسعى الذي تتوافر له حظوظ النجاح في ظل المكسب الذي تحقق للمعارضة في قمة الدوحة؟ إن الخطوة التالية التي يتعين القيام بها في المرحلة المقبلة، والتي ينتظرها العالم العربي الإسلامي، هي أن يتخذ مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي قراراً بدعوة المعارضة السورية إلى الجلوس في مقعد النظام السوري في اجتماعه المقبل، حتى يحكم الحصار على النظام السوري، ويعزل عن المحيط الدولي، تمهيداً لانهياره وسقوطه. وبذلك يتكامل العمل العربي المشترك والعمل الإسلامي المشترك، في إطار جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. وهو تكاملٌ إذا تمَّ على النحو المنسجم المتوازن والمحكوم بالضوابط القانونية، ستكون له آثار إيجابية على مجمل الأوضاع في العالم العربي الإسلامي. وإذا كان هناك من حل سياسي للأزمة في سورية، فهذا الحل يبدأ من الطريق السالكة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، من خلال مسعى مشترك بين القمة العربية التي ترأسها دولة قطر والقمة الإسلامية التي ترأسها جمهورية مصر العربية، لا عن طريق المبعوث الدولي والعربي السيد الأخضر الإبراهيمي الذي وصل إلى حافة الفشل في مهمته التي للعجب بدأها بتصريحات منه تدل على الفشل الذي توقعه. فليس ثمة من سبيل غير طرق باب الجمعية العامة للأمم المتحدة تجاوزاً لمجلس الأمن الذي لم يعد في هذه المأساة مجلساً للأمن حسب تداعيات الأزمة على الأرض وحقائق الواقع المتردي من أجل كسب الأصوات للقبول بدخول المعارضة السورية إلى المنتظم الدولي وجلوسها على مقعد النظام السوري الذي يتحدى ميثاق الأممالمتحدة تحدياً صارخاً، ويضرب بالشرعية الدولية عرض الحائط. ومن أجل ترجمة القرارات إلى إجراءات تنفيذية، نرى أن جلوس المعارضة السورية في مقعد النظام السوري في مؤتمر القمة العربي، يستدعي اتخاذ قرارات على مستوى الدول الأعضاء أكثر تأثيراً على حكومة دمشق، تشدّ من أزر الائتلاف الوطني للثورة والمعارضة السورية، وتدعم الحكومة الموقتة المنبثقة عنه. إذ لا تستقيم الأمور إذا ظلت السفارات السورية مفتوحة في جل العواصم العربية، حتى وإن كانت بعض الدول قد أقدمت على طرد السفراء. فلا بد من أن يتغير الوضع بالكامل حتى تكون لقرارات جامعة الدول العربية مدلول واقعي وأثر ملموس على الأرض. إن حماية الشعب السوري من الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها النظام الطائفي الاستبدادي في دمشق في حقه، مسؤولية عربية إسلامية في المقام الأول، وإن كان المجتمع الدولي لا يعفى من تحمل هذه المسؤولية. ولذلك نرى أن من متطلبات الاضطلاع بهذه المسؤولية المضيّ قدماً في تطويق النظام السوري وعزله والتعجيل بساعة سقوطه، وذلك من خلال سحب الشرعية الدولية عنه في الجمعية العامة للأمم المتحدة. * أكاديمي سعودي