طلعت روحي من السياسة العربية، فأهرب إلى الشعر في مهرجانه السنوي الذي تنظمه جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، وأبدأ بالتالي: ألا أبلِغْ معاويةَ بن حرب / مغلغلة عن الرجل اليماني أتغضب أن يقال أبوك عَفٌّ / وترضى أن يقال أبوك زاني فأشهد أن رحمك من زياد / كرحم الفيل من ولد الأتانِ الشعر هذا قاله يزيد بن المفرغ الحِمْيَري، بعد أن ألحق معاويةُ زيادَ بن أبيه بنسبه ليضمن تأييده، فأصبح اسمُه زياد بن أبي سفيان. وأبقى مع الشعر اليوم، وقصة ثانية: في الكتاب «مجاني الأدب في حدائق العرب» من تأليف الأب لويس شيخو اليسوعي، وهو من أركان النهضة الكبار، هناك قصة عن جعفر بن محمد، الذي نظر إلى فتى على ثيابه أثر مداد (حبر) فوبّخه، وردَّ الفتى: لا تجزعنّ من المداد / عطر الرجال وحِلية الكتاب وأجابه جعفر: حمار في الكتابة يدّعيها / كدعوى آل حرب في زيادِ فدع عنك الكتابةَ لستَ منها / ولو لطَّخْتَ نفسك بالمدادِ قال الأب لويس شيخو شارحاً: آل حرب قوم كانوا يسكنون محلة ببغداد، وكانوا يدّعون أن نسبهم الى زياد، وهم بطن من الأزد. الأب لويس شيخو عَلَمٌ بارز، إلا أن شرحه خطأ، والشعر يشير إلى آل حرب الأمويين وإلى زياد بن أبيه، كما في القصة التي بدأتُ بها. أقول: «لكل جواد كبوة». وأكمل بمختارات شعرية اتكأ أصحابها على حيوان أو طير: حسان بن ثابت له شعر كأنه يصف بعضَ القوم في أيامنا هذه، وهو: لا بأس بالقوم من طول ومن عَرَض / جسم البغال وأحلام العصافير وقال آخر: أصحابنا كلهم قشور / ما فيهمُ واحدٌ لبابُ رابعهم كلب ولكن / من أين يبدأ الحسابُ وهناك شعر معناه قريب قاله محمد بن حازم الباهلي: بَلَوْتُ خيارَهم فبلوت قوماً / كهولُهم أخسُّ من الشبابِ وما مُسخوا كلاباً غير أني / رأيتُ القومَ أشباهَ الكلابِ ومن نوع الشعر السابق: الكلبُ لا يُذكر في مجلس / إلا تراه عندما يُذكَرُ وقال البحتري: عليَّ نحْتُ القوافي من معادنها / وما عليَّ إذا لم تفهمِ البقرُ وأبو تمام قال: لا يدهمنّك من دهمائهم عددٌ / فإن أكثرَهم أو كلَّهم بقرُ وابن لنكك قال: لا تخدعنّك اللحى ولا الصورُ / تسعةُ أعشارِ مَنْ ترى بقرُ أما أبو فراس، فقال: ما للعبيد من الذي يق / ضي به اللهُ امتناعُ ذدْتُ الأسود عن الفرا / ئس ثم تفرَّسني الضباعُ وقال آخر: وشعر كبعْر الكبْش فرَّق بينه / لسانُ دَعِيٍّ في القريض دخيلِ أما حماد عجرد فله: أُساق إلى السجون بغير ذنب / كأني بعضُ عمال الخَراجِ ولو معهم حُبسْتُ لَهانَ وجْدي / ولكني حُبست مع الدجاجِ وقبل كل مَنْ سبق، قال طرفة بن العبد: كلُّ خليل كنتُ خالَلْتُه / لا تَرَكَ الله له واضحةْ كلهم أَرْوَغُ من ثعلبٍ / ما أشبه الليلة بالبارحةْ والمتنبي قال: فقر الجهول الى عقل بلا أدب / فقر الحمار بلا رأس الى رسنِ أما السيد الحميري فقال: قد ضيَّع الناسُ ما جمعتُ من أدب / بين الحمير وبين الشاء والبقرِ لا يسمعون الى قول أجيء به / وكيف تستمع الأنعام للبشرِ أعتقد أنني أنصفت الحيوان في شعر العرب، فأختتم بشيء ألطف عن قيس وظبيٍ. قال مجنون ليلى: أقول لظبي مرَّ بي وهو شارد / أأنت أخو ليلى فقال يُقالُ أيا شبه ليلى إن ليلى مريضة / وأنت صحيحٌ إن ذا لمُحالُ ومضى زمن كانت ليلى مريضةً في العراق، وقيس قال: يقولون ليلى في العراق مريضة / فيا ليتني كنت الطبيب المداويا واليوم العراق وكل بلد عربي مريض، والذئاب تسرح وتمرح. [email protected]