نحن أمام شهر الصوم المبارك فأترك السياسة العربية لأهلها وأتحدث عن شيء يحبه العرب (1): لا جديد تحت سماء الشعر العربي، فما نشكو منه اليوم شكا منه شعراء الجاهلية وفجر الإسلام وكل مَن تبعهم حتى اليوم، وأعود الى الشعر هرباً من السياسة، ولأنني سمعت شكوى على هامش مؤتمر جائزة عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري هي أنني منذ أصبحت عضواً في مجلس إدارة الجائزة لم أكتب أي مقال عن الشعر، مع أنني أفعل، ويبدو أن محبي الشعر أصيبوا بعدوى من معارض سوري يقول لي: أنت لا تكتب عن سورية، وهو يعلّق على مقال لي عن بلده. ها أنا أفعل، وسأبدأ اليوم بشعر قديم كأنه يتحدث عن السقوط السياسي والاجتماعي الحالي، وأكمل غداً بشعر الغزل، وأحاول أن أتجنّب المشهور الذائع إلا في ما ندر. شكوت من الذين توقعوا الثورات العربية باليوم والساعة، أو كانوا من الوقاحة أن يزعموا ذلك، ووجدت ان الشاعر الجاهلي أوس بن حجر قال: الألمعي الذي يظن بك الظن / كأن قد رأى وقد سمعا. عروة بن الورد، أحد أشهر صعاليك العرب، شكا الفقر كما تشكو الأمة اليوم وقال: دعيني للغنى أسعى فأني / رأيت الناس شرّهم الفقير ويقصيه النديّ وتزدريه / حليلته وينهره الصغير ويكفي ذو الغنى وله جلال / يكاد فؤاد صاحبه يطير قليل ذنبه والذنب جمّ / ولكن للغنى رب غفور الكميت بن زيد قال في قصيدة ربما كانت أكثر صدقاً الآن منها يوم قيلت: كلام النبيّين الهداة كلامنا / وأفعال أهل الجاهلية نفعل أما محمد بن حازم الباهلي فله: بلوت خيارهم فبلوت قوماً / كهولهم أخسّ من الشباب وما مسخوا كلاباً غير أني / رأيت القوم أشباه الكلاب ولابن لنكك شعر كثير في الموضوع نفسه يعكس تجربة حياته، وهو يقول: يعاف الذئب يأكل لحم ذئب / ويأكل بعضنا بعضاً عيانا. وله أيضاً: نعيب زماننا والعيب فينا / وما لزماننا عيب سوانا وقال: وقالوا قد لزمت البيت حداً / فقلت لفقد فائدة الخروج فمن ألقى اذا أبصرت فيهم / قروداً راكبين على السروج والمتنبي له شعر كثير بهذا المعنى منه: أذم الى هذا الزمان أهيله / فأعلمهم فدمٌ وأحزمهم وغد وأكرمهم كلب وأبصرهم عمٍ / وأسهدهم فهد وأشجعهم قرد وأيضاً: ودهر ناسه ناس صغار / وإن كانت لهم جثث ضخام أما حسّان بن ثابت فقال: لا بأس بالقوم من طول ومن عرض / جسم البغال وأحلام العصافير وأبو فراس الحمداني كان رأيه: ما للعبيد مِن الذي يقضي به الله امتناع ذدت الأسود عن الفرائس ثم تفرّسني الضباع ولشاعر آخر: بلوت الناس قرناً بعد قرن / فلم أرَ غير ختّال وقالِ ولم أرَ في الخطوب أشد وقعاً / وأصعب من معاداة الرجال وذقت مرارة الأشياء طرا / فما شيء أمرّ من السؤال حماد عجرد قال: أساق الى السجون بغير ذنب / كأني بعض عمال الخراج ولو معهم حبست لهان وجدي / ولكني حبست مع الدجاج أما أبو تمام فقال: ليس الصديق بمن يعيرك ظاهراً / متبسّماً عن باطن متجهّم اليوم يطلب الشباب الهجرة الى الشمال أو الغرب، ولا جديد في هذا أيضاً، وأبو قطيفة قال: وما أخرجتنا رغبة عن بلادنا / ولكنه ما قدّر الله كائن. وقال أبو ذؤاد الأيادي: فقرّي في بلادك ان قوماً / متى يَدَعوا بلادهم يهونوا. وأبقى مع شعر «واقع الحال» والمتنبي فهو قال: غنيٌّ عن الأوطان لا يستفزني / الى بلد سافرت عنه إياب وأيضاً: فما حاولت في أرض مقاما / ولا أزمعت عن أرض زوالا على قلق كأن الريح تحتي / أوجهها جنوباً أو شمالا وأختتم بشيء ظريف فشاعر جاهلي هو أبو ذؤاد الأبادي قرأت له بيت شعر يليق بشاعر حداثي لا يفهم كلامه أحد هو: رُبَّ ثورٍ رأيت في جحر نمل / وقطاة تحمّل الأثقالا [email protected]