خلال سنوات قليلة تحول معظم الباحثين عن الشهرة بستار ديني في السعودية إلى علماء نفس واجتماع «من منازلهم»، عبر دخولهم لاعبين محترفين في منجم الذهب الجديد المسمى «الاستشارات الأسرية»، فأصبح الواعظ الذي بارت تجارته واستثماراته في «أشرطة الكاسيت» الترهيبية، نجماً في سماء التدريب والاستشارات الخاصة ب«الحياة الأسرية»، هكذا من دون أي مقدمات أو شهادات، كل ما في الأمر لسان لا يتوقف عن الثرثرة، وجني سريع للمال من جيوب الدهماء المساكين الحالمين بأعشاش زوجية مستقرة «بما يرضي الله». لا شك في أن أي استثمار يصطبغ بالصبغة الدينية في المجتمع السعودي يكون أوفر حظاً في النجاح من غيره، وكمثال واقعي على ذلك ظل كثير من السعوديين طوال عقود يفضلون الاصطفاف في طوابير أمام منازل ممارسي الرقية الشرعية عند معاناتهم من أي مشكلات نفسية، من دون أن يفكروا في زيارة العيادات المتخصصة، هي مشكلة ثقافية بالدرجة الأولى وفرت ملعباً فسيحاً لكل «دجال» طامح إلى جني الملايين بأقصى سرعة ممكنة، لكن دوام الحال من المحال، فقد غيّرت الحكايات المثيرة المتداولة في وسائل الإعلام عن انحرافات كثير من الرقاة تجاه من يعانون من اضطرابات في حياتهم إلى جهة أخرى حديثة نوعاً، ما تسمى «مراكز الاستشارات الأسرية»، ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل فقد لحق «الرقاة» بزبائنهم القدامى إلى هذه المراكز، واستبدل كل منهم مسماه المهني من «راقٍ شرعي» إلى «مستشار أسري»، مواصلاً لعبة الربح و«كله بأجره». لا يتوقف «بزنس» الشيخ «مستشار أسري» عند توزيع النصائح اللولبية على «الحريم» وأزواجهن، في مقابل فاتورة مدفوعة مقدماً، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى استثمار التقنية عبر تخصيص «قناة جوال» باشتراك شهري لبث الطمأنينة في نفوس المتعبين من التعارك بالصحون والملاعق في البيوت غير المطمئنة، ويتوج «الشيخ مستشار» استثماراته بعقد دورات تدريبية للمتزوجين والمقبلين على الزواج برسوم يدفعها أحياناً المستفيد بشكل مباشر، وفي أحيان أخرى جهات مختلفة، كالجمعيات الخيرية ومكاتب الدعوة التي يدير بعضها، «ويا للمصادفة»، أصدقاء «الشيخ مستشار»، نفع الله بهم. المثير حقاً أن معظم الشيوخ «المستشارين الأسريين» اضطروا تحت ضغط المنافسة مع الأطباء والمعالجين النفسيين إلى شراء شهادات أكاديمية من جامعات وهمية في آخر الدنيا عبر «الإنترنت»، وهذا بالطبع كان يُفترض أن يرفع الأرباح، لولا أن الحملة الفضائحية الشهيرة «هلكوني»، التي يقودها ناشطون في «تويتر» ضد «الدكاترة» الورقيين، أسهمت في كبح جماح الأرباح بعض الشيء. أخيراً... لا يمكنني إلا أن أزف التهاني والتبريكات لفضيلة الشيخ «مستشار أسري»، فقد تداولت الصحف قبل أيام قليلة أنباءً عن قرب صدور قرار يمنع المقبلين على الزواج في المملكة من توقيع عقد النكاح قبل الخضوع لدورة تدريبية في الحياة الزوجية ومشكلاتها، والسؤال هنا «من سيربح البليون»؟ [email protected] @Hani_Dh