تكثر الأسئلة في الصالون السياسي لرئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، خصوصاً عندما يجمع عدداً قليلاً من الزوار «المنتخبين» في يوم عطلة، لا سيما منها الأسئلة الجوهرية التي تتعلق بالمرحلة الحرجة التي دخلها لبنان بعد استقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والصعوبات التي يلغط بها الوسط السياسي اللبناني في تشكيل الحكومة العتيدة والخوف من الفراغ الحكومي وإطالة أمد تصريف الأعمال، ومصير الانتخابات النيابية وغياب الاتفاق على قانون لإجرائها. يملك الرجل المحنك الذي يعوَّل عليه، مثلما يعوَّل على دور رئيس الجمهورية ميشال سليمان في الخروج من المأزق، أجوبة حاسمة على بعض الأسئلة، ولا يملك أجوبة عن أسئلة أخرى، ويكتفي بالإجابة عن نوع ثالث من الأسئلة مثل من يرشح لرئاسة الحكومة وكيفية تشكيلها، بأن «لدي أفكاري التي لن أقولها الآن». أبرز الإجابات لدى بري هي التوسع في اقتراحه الذي أعلنه فور استقالة الحكومة، وهو أن يدعو رئيس الجمهورية «هيئة الحوار الوطني» الى الاجتماع، قبل بدء الاستشارات النيابية المرجح في 2 نيسان (أبريل) المقبل، وفق ما أبلغه الرئيس سليمان في اتصال هاتفي جرى بينهما، يوم الأحد. وقال إن الرئيس سليمان بدا إيجابياً إزاء اقتراحه وأنه سيرى ماذا سيفعل بعد عودته من قطر حيث يترأس وفد لبنان الى القمة العربية. حوار قبل الاستشارات «مولانا»، يقول لك بلهجة الواثق، «إذا دخلنا الاستشارات في 2 نيسان من دون توافق أو تفاهم مسبق انظر ماذا سيحصل. سيسمّي فريق ما أحدهم وفريق ثان مرشحاً آخر وربما يسمى مرشح ثالث وسيحتسب الرئيس سليمان الأصوات ويكلف الذي حاز أكبر عدد. لكن بغياب التفاهم قد لا تتشكل الحكومة في 15 سنة... يجب أن يحصل حوار قبل الاستشارات لنتفاهم على بعض الأمور الأساسية التي تسهل تشكيل الحكومة». ويضيف: «أنا أرى أن تجتمع هيئة الحوار ولو لساعة، لنتداول بعضنا مع بعض في حلحلة الأمور وليس بالضرورة أن نبحث في جدول الأعمال الأصلي». وحين يقال له إن الحكومة ليست من مهمات الحوار، يقاطع بالقول: «أنا أعرف أنهم سينتقدونني وسيقولون إن هذا غير دستوري. وهذا صحيح لأن آلية تشكيل الحكومات ليست من مهمات هيئة الحوار بل حددها الدستور. لكن يا أخي، أنا لا أقول أن تبحث الهيئة في هذا الأمر. يجب أن نجتمع من أجل إراحة الأجواء في البلد، وليس بالضرورة أن تكون الدعوة تحت عنوان الحكومة وتشكيلها أو قانون الانتخاب. فليختر الرئيس أي عنوان». تحت عنوان إحياء تطبيق إعلان بعبدا مثلاً؟ يجيب: «مثلاً، فليكن، المهم أن نجتمع، الصورة وحدها تطمئن الناس نسبياً ولو لفترة، ألا ترون ماذا يحصل في طرابلس؟ ظهورنا جميعاً في هيئة الحوار يخفف من الاحتقان ويساعد في التهدئة الأمنية. الأسبوع الماضي حين جرى الاعتداء على الشيخين كان وضع البلد خطيراً». إلا أن بري يقول إن إعلان بعبدا هو مجرد بيان و «يجب أن نتخذ خطوات ترفده وتساعد في الالتزام به». وحين يقال له: أنتم 19 واحداً في هيئة الحوار، هل ممكن لهذا العدد أن يحقق تفاهماً على الحكومة وقانون الانتخاب؟ يجيب: «يا أخي، التفاهم يجب أن يحصل بين 5 أو 6 قادة، مجرد أن يجلس هذا مع ذاك جانباً قبل بدء الجلسة، أو أن يستدعي الرئيس سليمان فلاناً وفلاناً الى مكتبه قبل الدخول الى قاعة الاجتماع أو أن يحصل اجتماع ما بين ثلاثة أو أربعة منا بعد الجلسة في غرفة ما في القصر الرئاسي، نطلق البحث بما هو مطلوب الاتفاق عليه. يمكننا أن نفعل ذلك على هامش الاجتماع الموسع لهيئة الحوار. هذا ضرورة قصوى في رأيي، وأنا ووليد جنبلاط نستطيع أن نلعب دوراً في المداولات والتوصل الى توافق». سلة واحدة هل تقصد بذلك أن يجرى البحث بين الأقطاب الرئيسيين في اتفاق سلة ولو محدودة العناوين تتناول الحكومة وقانون الانتخاب وموعد الانتخابات وما بعدها؟ يجيب الرئيس بري: «تماماً. لأن علينا أن نحسم ماذا نريد، أمجرد تشكيل حكومة لملء الفراغ أم اننا نريد حكومة تشرف على الانتخابات؟ وهذا يتطلب رسم التوافق على قانونها». ويردف في ردّه على أسئلة «الحياة» عن المدى الذي يتوقعه لتأجيل الانتخابات فيقول: «إذا اتفقنا على القانون قريباً نستطيع أن نجريها في موعدها. قد تؤجل الى 17 و18 حزيران (يونيو)، أي قبل يومين من نهاية ولاية البرلمان في 20 منه». وغير ذلك، يجيب عن سؤال آخر، «ليس هناك شيء اسمه تأجيل، (قاصداً أن ما سيطرح في حال عدم التفاهم سريعاً، هو التمديد للبرلمان لمدة معينة). فلنفتح البحث بين بعضنا بعضاً لنتفاهم». وحين تسأله «الحياة» كيف سيمكن التفاهم إذا كان «حزب الله» أعلن أن هناك فريقاً ليس مؤهلاً ليتسلم السلطة، ملمحاً بذلك الى «قوى 14 آذار» و «تيار المستقبل» وقال أيضاً إنه فريق ليس مؤهلاً ليلعب دور الشريك؟ يرد الرئيس بري: «لم أرَ في كلام النائب رعد ما يعيق التفاهم. على كل حال إقرأ ماذا قال الرئيس فؤاد السنيورة من الجهة المقابلة. أعاد التذكير بالقمصان السود وبالسلاح وغيرها من القضايا. هل هذا وقتها؟ فلنعمل على معالجة الأزمة الحالية التي نحن فيها». ويتوقف بري أمام قول السنيورة إن اجتماع هيئة الحوار يجب أن يبحث تنفيذ ما سبق أن اتفق عليه سابقاً: «يا أخي طيب هل نستطيع الآن أن نلج الى نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وما شابه؟ أليست الأولوية لنخرج الآن من الموضوع الحكومي وقضية الانتخابات؟ نحن في أزمة كبيرة يا رجل». وبعد أن يقول أحد معاونيه إن الحاج محمد رعد قصد بقوله عن طرف إنه غير مؤهل ليكون شريكاً، السجال حول مسألة تمثيل المسيحيين، يتخطى بري الجواب ويقول: «البلد يحتاج الى تفاهم لإنقاذ الوضع من أجل تحييده عما يجري في المنطقة. أنا همّي أن نثبت الاستقرار عندنا في الوقت الذي تدور أحداث خطيرة حولنا. من يعرف ماذا سيحصل في سورية وكيف سينعكس عندنا؟ يجب أن نحول دون أن تنتقل مفاعيل التشرذم والتقسيم الى لبنان. وفي حماية البلد من ذلك مصلحة لكل الأطراف من دون استثناء وأولها حزب الله يا جماعة، لذلك ندفع نحو التفاهم». حكومة وحدة وعن شكل الحكومة المقبلة والمطالبة بأن تكون حيادية وتكنوقراط... يرد بري على أسئلة «الحياة» ليقول: «وليد جنبلاط طوّر اقتراح حكومة التكنوقراط قبل يومين وقال أن تسمي الأطراف السياسية الوزراء من التكنوقراط. لكن ماذا نكون فعلنا؟ هؤلاء سيعودون الى القيادات التي سمّتهم». ويعود بري فيؤكد تفضيله «حكومة وحدة وطنية من الفرقاء الرئيسيين. عندها نجلب الجميع الى الطاولة لإدارة الوضع في ظل التأزم الإقليمي ونساهم في حماية البلد». ويضيف: «عندها الحوار يصبح داخل الحكومة في شكل دائم». ويأتي أحد مساعديه إليه بخبر الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري للرئيس سليمان ويقرأه له ويتوقف عند قوله أن تجرى الانتخابات على قانون يتفق عليه البرلمان، فيقول: «موقفه جيد. معه حق. (قاصداً ألا تجرى الانتخابات على أساس قانون الستين)». لكن «حزب الله» يريد الحكومة على أساس معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، يجيب: «لماذا لا؟ والوزير علي حسن خليل في المناسبة نفسها قال بهذه المعادلة». ويرد على ملاحظة «الحياة» بأن الفريق الآخر يعتبر أنها لم تعد صالحة بالقول: «حكومة الوحدة الوطنية برئاسة (زعيم «تيار المستقبل» الرئيس) سعد الحريري نص بيانها الوزاري على هذه المعادلة» ولا يرد الرئيس بري على القول إن الظروف تغيّرت والفريق الآخر يقول باعتماد إعلان بعبدا ويكتفي بالدعوة الى «حلحلة الأزمة التي نحن فيها». لا نمسّ الطائف وبسؤال «الحياة» عما إذا كان التفاهم على سلة يجب أن يشمل البحث في تعديل النظام واتفاق الطائف، يقول جازماً: «أبداً. لا. هل هذا وقتها؟ من المحال الحديث عن تغيير الطائف. الدخول في هذا الأمر مغامرة. هل طبّقنا الطائف أصلاً؟ فلنطبقه. قلتها قبل مدة وأرددها. فلنحافظ على الطائف ولا نمسّه». ألا يحتاج التفاهم بين القادة اللبنانيين الى «ميني دوحة»، أي إلى رعاية إقليمية ولو من بعيد لاتفاق اللبنانيين؟ يقول الرئيس بري: «أن نجتمع في الخارج؟ كبّر عقلك». وعندما يقال له: «لا. في لبنان. لكن في ظل تفاهم عربي وإقليمي على دعم اتفاق الفرقاء اللبنانيين، خصوصاً أن أطرافاً تعتبر أن استقالة ميقاتي ومواقف رئيس الجمهورية جاءت بأوامر خارجية». يقول الرئيس بري: «العرب والدول المتصارعة تحتاج الى أن يصالحها اللبنانيون. هل هم متفاهمون كي نطلب مساعدتهم؟ يجب أن نتفاهم نحن لنحمي أنفسنا من الصراع الدائر إقليمياً». ولا يفصح بري عن الأفكار التي لديه حول المرشح الذي يراه لتأليف الحكومة. وحين يقرأ له أحد مساعديه تصريح جنبلاط عن حكومة التكنوقراط «التي كان طرحها الرئيس ميقاتي»، يلاحظ: «ها هو ما زال يطرح الرئيس ميقاتي». ويعتبر ذلك إشارة. ويكثر الحديث في مجلس الرئيس بري المصغّر هذه المرة عن ظروف الاستقالة وما سبقها وقانون الانتخاب والتمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي... إلخ. لكنه قال ما قال بعد أن أبلغ محاوريه: «هذا صار من الماضي. فلنر ماذا يجب أن نفعل الآن». ومما قاله: «إذا شكلنا حكومة وحدة وطنية علينا أن نعود الى تطبيق سياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية في شكل جدي أكثر. وما حصل أن جميع الأطراف لم تطبقها وخرقتها حتى الآن». وحول إمكان حل مسألة التمديد للواء ريفي عبر اقتراح قانون في المجلس النيابي بناء للعريضة النيابية التي وقعها 68 نائباً، قال: «إن شاء الله يقدمون العريضة، وبما أنني ملزم بأن أتجاوب معها، فإنني في هذه الحال أدعو الى جلسة نيابية يكون الموضوع الأول على جدول أعمالها مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي فنقرّه وهكذا أدفن قانون الستين ثم بعدها نبحث اقتراح القانون هذا». لكنه يردف: «مع أنني أتمنى ألا يمشي مشروع اللقاء الأرثوذكسي». إلا أنه في سياق آخر، وبعد أن يشرح ما آلت إليه جهود التوصل الى قانون مختلط بين النظامين الأكثري والنسبي واقتراح المناصفة بينهما واقتراحات الفرقاء الآخرين لنسب مختلفة، يقول: «سأؤجل الدعوة الى جلسة نيابية حتى منتصف الشهر المقبل لإفساح المجال أمام التوصل الى تفاهم على القانون». وبسؤاله عما إذا كان حزبا «الكتائب» و «القوات» لا يزالان يؤيدان الأرثوذكسي وسيؤيدانه طالما أن الحزبين دخلا في نقاش حول القانون المختلط، يقول: «طبعاً هما ملتزمان بالأرثوذكسي. وإذا غيّرا موقفيهما يتحملان مسؤولية ذلك».