انعكس الانقسام السياسي الحاد الذي يعيشه لبنان على جلسة مجلس الوزراء التي عقدت عصر أمس برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان لبحث عناوين وصفت بأنها متفجرة، تختزل الصراع على الإمساك بالقرار السياسي والأمني في البلاد، في ظل الخلاف الكبير على الموقف من الأزمة السورية، منها تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات النيابية لإجراء الانتخابات في موعدها بناء على إصرار سليمان، ورفض قوى 8 آذار ووزراء رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي العماد ميشال عون، والتمديد لعدد من القيادات الأمنية في مهماتها قبل انتهاء مدة خدمتها القانونية أبرزها المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الذي يحال على التقاعد في مطلع نيسان (ابريل) المقبل، أي بعد 10 أيام. ورجحت مصادر وزارية أن تُعقد جلسة استثنائية اليوم، لمواصلة البحث بالمواضيع الخلافية، خصوصاً أن سليمان سيغادر الاثنين الى قطر لترؤس الوفد اللبناني إلى القمة العربية. وإذ ناقش مجلس الوزراء تقريراً حول تدابير تمويل سلسلة الرتب والرواتب في ظل الإضراب المستمر منذ أسابيع للمعلمين وموظفي القطاع العام، وسط خلاف على مدى ملاءمة إحالة السلسلة على البرلمان للوضع الاقتصادي المتردي، فإن الجلسة انعقدت في ظل الخلاف على الموقف من القصف السوري الجوي مناطق لبنانية استناداً الى تقارير قيادة الجيش، والذي اعتبره الرئيس سليمان انتهاكاً مرفوضاً، مقابل تبني قوى 8 آذار النفي السوري واعتراضها على تكليف رئيس الجمهورية وزير الخارجية عدنان منصور الاحتجاج لدى الجانب السوري. وإذ انطلق الرئيس سليمان، الذي تضامن معه وزراء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي و «جبهة النضال الوطني» النيابية برئاسة وليد جنبلاط، من وجوب اجراء الانتخابات في موعدها بالإصرار على تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات ولو على القانون الحالي لضمان اجرائها في موعدها، فإن قوى 8 آذار استبقت الجلسة بتأكيدها رفض تشكيل الهيئة معتبرة أن سليمان «أخذ ينفذ أجندة خارجية» بإصراره على موقفه الاحتجاج على القصف السوري، وعلى تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، فيما يرى سليمان ان تشكيل الهيئة يحول دون تأجيل الانتخابات ويكرس الالتزام بالإجراءات التي تسبقها ضمن المهل القانونية، بالتوازي مع المساعي المتواصلة للتوافق على قانون بديل لقانون الستين. وامتدت جلسة مجلس الوزراء حتى ساعة متقدمة ليلاً، وسبقتها لقاءات ماراتونية ليل أول من أمس للتوصل الى توافق على موضوعي هيئة الإشراف على الانتخابات والتمديد لريفي من دون التوصل الى اتفاق خصوصاً ان الأكثرية تميل لمصلحة وزراء 8 آذار وعون (18 وزيراً) مقابل 12 وزيراً لسليمان وميقاتي وجنبلاط. وكان قيادي من «حزب الله» أبلغ مؤيدي التمديد لريفي الذي يفترض ان ينسحب على القيادات الأمنية الأخرى، قائد الجيش العماد جان قهوجي في 1 أيلول (سبتمبر) ورئيس أركان الجيش وليد سلمان في 1 تموز (يوليو) المقبلين ومدير المخابرات في الجيش العميد ادمون فاضل، ان الحزب يأخذ في الاعتبار الوضع الأمني المتوتر في البلاد والحاجة للاستقرار وأنه يرى ان لا مصلحة في رفع منسوب الاحتقان السني – الشيعي (بالنسبة الى التمديد للواء ريفي) وبالتالي يدرس الأمر. إلا أن وزير الحزب حسين الحاج حسن أكد قبيل دخوله مجلس الوزراء أمس: «لن نصوت مع إنشاء هيئة الإشراف على الانتخابات ولا للتمديد للواء ريفي». يذكر ان نواب قوى 14 آذار و «جبهة النضال الوطني»، برئاسة جنبلاط، وقعوا عريضة نيابية تطالب بالتمديد للقيادات الأمنية، لكن نواب العماد عون و8 آذار يشترطون للدعوة الى جلسة نيابية وإصدار قانون بالتمديد للقيادات الأمنية أن يتم التصويت على مشروع اللقاء الأرثوذكسي لقانون الانتخابات. وإذ أقر مجلس الوزراء في بداية الجلسة البنود الإصلاحية في سلسلة الرتب والرواتب، أعلن وزير المال أنها «ستمر بالسياسة، لكن اقتصادياً هي عاطلة في حق البلد». واعتبر وزيرا «جبهة النضال» غازي العريضي ووائل أبو فاعور أن التمديد للقادة الأمنيين أمر أساسي. وقال وزير البيئة ناظم الخوري المحسوب على الرئيس سليمان: «نحن لا نتجه الى الانسحاب من الجلسة لأننا أهل البيت». وكان الرئيس سليمان لوّح بأنه قد يلجأ الى الامتناع عن ترؤس جلسات مجلس الوزراء إذا لم تتشكل هيئة الإشراف على الانتخابات لأن ذلك يعني وجود نية لتطيير هذا الاستحقاق من القوى التي ترفض تشكيلها. وفي موازاة ذلك نفذ الجيش اللبناني منذ ليل أول من أمس انتشاراً واسعاً في مدينة طرابلس وتحديداً بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة بعد سقوط قتيل نتيجة الاشتباكات بين المنطقتين بدأت بإطلاق مسلحين النار على جنود لبنانيين ينتمون الى الطائفة العلوية. وألقى الجيش القبض على أحد المشتبه بهم بإطلاق النار ولاحق آخرين. كما ألقى الجيش القبض على مشتبه به جديد بالتورط في الاعتداء على المشايخ التابعين لدار الافتاء يوم الأحد الماضي، فيما تواصلت مواقف الإدانة للاعتداء. وسلمت السلطات السورية أمس عنصراً كان معتقلاً لديها من «مجموعة تلكلخ» التي دخل أفرادها الأراضي السورية للقتال مع الثوار السوريين قبل 3 أشهر، فقتل من قتل منهم بمكمن للجيش السوري، وأوقف حسان سرور الذي أفرج عنه أمس. على صعيد آخر دانت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون أمس القصف السوري داخل لبنان. (يو.بي.آي) وقالت اشتون، في بيان للناطق باسمها مايكل مان، انها «تدين بشدة الهجمات من القوات المسلحة السورية على أهداف في الأراضي اللبنانية»، مضيفة ان ذلك «يشكل خرقاً لسيادة لبنان». ورأت أن «من غير المقبول شن الهجمات على أراضي أي بلد مجاور». وقالت اشتون ان «لبنان ليس جزءاً من النزاع السوري، وقد نأى علناً بنفسه عن هذا النزاع»، مضيفة ان على كل الأطراف السوريين والجهات الفاعلة في لبنان والدول الأخرى احترام ذلك، ومن هنا جدد الاتحاد الأوروبي التزامه بسيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه». وجددت تحذيرها من امكان امتداد النزاع السوري خارج البلاد، ودعت مجدداً كل المجتمع الدولي للعمل مع الاتحاد الأوروبي من أجل المساهمة الفعالة في حل سلمي للنزاع.