جولات تفقدية سريعة على القنوات المصرية في فترات متقطعة من اليوم، تنشط مساء مع برامج الحوارات، تنذرك بفقرة تبدو ثابتة في كل البرامج أبطالها، مسؤول غاضب قلق من فقد منصبه تشبّع بنظرية المؤامرة، أو شخصية عامة لا تختلف ظروفه النفسية كثيراً عن هذا المسؤول يطالب الإعلام بالتوقف عن بث الإشاعات وتحري الدقة والموضوعية عند نقل هذا الخبر أو مناقشة ذاك الملف... في المقابل يجلس الإعلامي على كرسيه أمام الكاميرا متحفزاً مرتدياً ثوب روبن هود المدافع عن حقوق البسطاء، يرد بحسم: «نحن مرآة للواقع». يستمر السجال دقائق والمحصلة صفر. لم يستطع أي منهم إقناع الآخر برأيه، فشل كلاهما في أن تكون نهاية الأخذ والرد سعيدة، لينجر الجميع في سفسطائية ضحيتها هذا المشاهد القابع أمام الشاشة يئن من تكسّب الجميع على حساب معاناته. غالبية البرامج التلفزيونية باتت تدور في فلك «الرغي» السياسي، أو التراشق اللفظي الضارب بكل المعايير الأخلاقية عرض الحائط. تمر الساعات والاتهامات سيدة الموقف من دون الخروج بحلول لأزمة، وإن ظهر الحل يُقابل بتجاهل من الجهة المسؤولة. بعض المتطلعين ل «دقة» و«موضوعية» الإعلام فضل نقل الخلاف من الشاشة الصغيرة إلى ساحات المحاكم، وكانت آخر الدعاوى القضائية ضد مقدم برنامج «البرنامج» باسم يوسف بتهمة الاستهزاء بالرئيس محمد مرسي، في إحدى حلقاته، عندما قال: «الرئيس مرسي يستحق جائزة أوسكار أحسن ممثل». النائب العام قرر استدعاء مقدمي البلاغ ال12 مع إخطار قناة «سي بي سي» لإرسال نسخة من الحلقة، موضوع الاتهام، لإرفاقه بالتحقيقات. مقدمو البلاغ تقدموا ببلاغهم كمواطنين شرفاء يحبون وطنهم ورئيسهم الشرعي المنتخب، ولن يسمحوا لأي شخص بإهانته أو السخرية منه على الإطلاق. ومع ارتفاع منسوب الملاحقات القضائية تجاه الإعلاميين، استنكرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تلك الملاحقات، معربة عن انزعاجها من استمرار الزج بوسائل الإعلام في الصراعات السياسية الدائرة بين القوى المختلفة وتكرار حالات الاعتداء على الإعلاميين والقنوات الفضائية أثناء أداء عملهم، مؤكدين أن وسائل الإعلام يجب أن تعمل بحرية واستقلالية وفي مناخ آمن من دون أن يفرض أي طرف سواء المعارضة أو السلطات أي رقابة عليها. ويبدو أن المحاكم ستتلقى قريباً دعوى قضائية ضد الفنانة الاستعراضية سما المصري، بعدما قررت السير على نهج باسم يوسف من خلال تصوير برنامج ساخر بعنوان «إلبس» عبر شاشة قناة «الفراعين» المملوكة للإعلامي توفيق عكاشة. وأشارت المصري إلى أن «الفراعين» هي الفضائية الوحيدة التي قبلت عرض البرنامج، على أن تتحمل هي بصورة شخصية مسؤولية مضمونة، من دون فرض قيود عليها أو تعديل في فكرته. واعتبرت خلال لقاء صحافي أن «البرامج الساخرة مفيدة جداً في المرحلة التي تعبرها مصر تحت حكم «الإخوان»، والبرنامج سيكون بطابع استعراضي ساخر». وأضافت: «استوحيت الفكرة من الأوضاع السياسية التي لا يمكنني سوى السخرية منها، وسأسلط الضوء في برنامجي على أبرز الشخصيات المنتمية إلى تيار الإسلام السياسي». السخرية امتدت إلى إعلان مركز المعلومات ومركز اتخاذ القرار في مجلس الوزراء نتيجة استطلاع رأي حول متابعة المصريين التلفزيون والراديو، إذ أفاد بأن أكثر برامج الحوارات حيادية هو «90 دقيقة» على قناة «المحور» والذي يقدمه عمرو الليثي بالاشتراك مع ريهام السهلي، وأفضل إعلامي هو عمرو الليثي. الإعلان جاء بعد إجراء الليثي حواراً مع الرئيس محمد مرسي، علماً أنه كان مستشاراً للرئيس قبل الاستقالة من منصبه. أحد معدي برامج «التوك شو»، في جلسة خاصة مع أصدقائه، لم يخفِ أن من ينكر فضل الإعلام في رفع وعي المواطن المصري ظالم، لكنه تحسر على المشاهد المسكين المضطر إلى التعلق بإعلاميين تربطهم علاقات وثيقة مع أهل السلطة، أو يتعدى راتبهم السنوي الملايين، على رغم انهم يلعبون دور الوسيط في إيصال صوته لمن يهمه الأمر. ويتساءل: «كيف يهاجم الوسيط المؤتمن وزيراً ما لسوء تفاهم قديم بينهما؟ ولماذا يضرب الوسيط دائماً بيد من حديد هذا الفصيل بينما يبدو متعاطفاً دائماً مع هذه المجموعة على رغم أنهما ليسا دائماً على صواب أو دائماً في خانة الخطأ؟ ولماذا يبدو الوسيط محامي البسطاء أمام الكاميرا عند استضافة من هم في السلطة، ولكن في الكواليس يشدّ على يدهم داعماً لخططهم «الإصلاحية»، مودعاً بابتسامة رقيقة على أمل لقاء قريب بعيداً من أعين المتطفلين، بينما المشاهد في بيته يجلس صفر اليدين من دون ملايين، من دون شهرة، من دون علاقات عامة قوية تنتشله من عثراته وقت الحاجة، من دون أي تطور إيجابي في حياته؟».