تتّجه أنظار الأتراك والأكراد إلى مدينة دياربكر اليوم، بأمل مشوب بترقّب ل «إعلان تاريخي» أعدّه الزعيم المعتقل لحزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، سيدعو فيه إلى إنهاء الكفاح المسلح والسعي إلى تسوية القضية الكردية بوسائل ديموقراطية سلمية. ويشكل هذا الإعلان الذي راجعه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووافق عليه، أهم مؤشر إلى تجاوز تركيا عقدة أوجلان وموقفها التاريخي القديم الرافض للحوار مع «زعيم تنظيم إرهابي»، أو حتى التفاوض مع «زعيم كردي» لتسوية القضية الكردية. وبعد عقود على حظر الاحتفال بعيد «النوروز» الكردي، سمحت تركيا قبل سنوات بإحيائه، ضمن إصلاح سياسي وانفتاح على الشارع الكردي، اجتماعياً وسياسياً. أما الآن، فالاحتفال الذي سيُنظّم في دياربكر، يختلف عما سبقه، من خلال تلاوة الإعلان الذي أعدّه أوجلان، وحضور عدد ضخم من الديبلوماسيين والمسؤولين الاحتفال الذي بات يظهر تمايز المكوّن الكردي في تركيا. وتفيد معلومات بأن إعلان أوجلان سيتضمن نقاطاً، أولها تأكيد انتهاء عهد العمل المسلح، ثم طلب وقف متبادل للنار، يليه وقف دائم ونهائي للنار من قبل «الكردستاني»، يبدأ بعده مسلحو الحزب انسحاباً تدريجياً من تركيا إلى شمال العراق، بالسرعة الممكنة، مع تشكيل لجنة برلمانية لمتابعة الانسحاب، والتأكّد من الامتناع عن ملاحقة أي مسلح منسحب، قضائياً أو عسكرياً أو أمنياً. ورغم نفي الحكومة التركية تفاوضها في شكل مباشر مع أوجلان، يؤكد كل المؤشرات والتطورات أن أنقرة اقتنعت، بعد عقود، بأن تسوية النزاع في يدي أوجلان الذي أثبت، بعد 14 عاما على اعتقاله، أنه ما زال يحظى بسطوة وسيطرة على حزبه، وأنه القائد الكردي الأوحد في تركيا بلا منازع. كما أن تسهيل الحكومة لقاء زعيم «الكردستاني» نواباً أكراداً، وإيصال رسائله السياسية للجناح العسكري للحزب، بعد اطلاع الحكومة وجهاز الاستخبارات التركية عليها، يشيران إلى تبادل واضح للأدوار من أجل تنفيذ خطة أُبرمت بين أوجلان ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، الذراع اليمنى لأردوغان. بل أن الحكومة التركية أعلنت نيتها تسريع الخطة، من خلال إقرار قانون عفو محدود، يشجّع مسلحي «الكردستاني» ممَّنْ لم تتلطخ أيديهم بالدم، على العودة إلى أهلهم ومنازلهم، بدل ذهابهم إلى شمال العراق، ما من شأنه تسريع تفكيك الحزب. والمفارقة التي يتذكّرها الأتراك، أن أول من نادى بهذا القانون، كان الرئيس السابق للأركان الجنرال إلكر باشبوغ العام 2008، لكنه الآن في السجن، لاتهامه بالانتماء إلى تنظيم «إرهابي» خطّط لإسقاط حكومة أردوغان. في المقابل، ينتظر أوجلان من حكومة أردوغان إجراء تعديلات دستورية تشمل قوانين وضعها مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة، أهمها تعريف المواطَنة في تركيا الذي صهر كل الأعراق تحت سقف العرق التركي. وهذا تغيير ضخم سيطاول هوية الجمهورية التركية، والرهان على نيله إجماعاً شعبياً ليس مضموناً. كما اتفق أوجلان مع الاستخبارات التركية، على إقرار قانون الإدارة المحلية، بصيغة أوروبية، وهذا أمر تعاقبت الحكومات السابقة على رفضه، خشية تحوّل تركيا من دولة قومية إلى فيديرالية. ويرى كثيرون أن التحدي سيبدأ بعد تلاوة إعلان أوجلان والذي سيطوي عهداً ويدشّن آخر، يتسابق فيه أردوغان وزعيم «الكردستاني»، على التزام كلّ منهما تعهداته، ليتبيّن أيهما أقدر على ضبط شارعه وحكمه. وعشية «الإعلان التاريخي»، أكدت «جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري» اليسارية المتطرفة، مسؤوليتها عن إطلاق صاروخ على مقرّ لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وتفجير قنبلتين يدويتين في مرأب وزارة العدل في أنقرة، ما أسفر عن جرح امرأة. وأكدت الجبهة نيتها استهداف الحزب الحاكم، منددة ب «اعتداءات» الحكومة على «حرية الفكر».