شكلت تسمية «الائتلاف الوطني السوري» غسان هيتو رئيساً للحكومة الانتقالية مفاجأة للعاملين في الشأن السياسي السوري سواء كانوا في داخل البلاد أو خارجها. وساد اعتقاد بأن تكتلاً أساسياً في «الائتلاف» المتمثل ب «الإخوان المسلمين»، استند إلى كون هيتو يحمل الجنسية الأميركية ومن أصول كردية، للحصول على دعم واشنطن والقوى السياسية الكردية للحكومة الموقتة المزمع تشكيلها. لم يعرف عن هيتو نشاطه السياسي العلني في العقود السابقة، إذ عمل حوالى 25 سنة في شركات لها علاقة بتكنولوجيا الاتصالات في الولاياتالمتحدة بعدما نال إجازة في الرياضيات وعلوم الحاسب الآلي من جامعة بورديو (ولاية أنديانا) عام 1989 وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة إنديانا وسليان 1994. وهو عضو مؤسس في جمعية الدعم القانوني للعرب والمسلمين ومجلس إدارة في المجلس السوري - الأميركي في شيكاغو، وهي مؤسسات قريبة من أوساط الإسلاميين في أميركا. وبعد اندلاع الثورة السورية قبل سنتين، أسس مع آخرين «التحالف من أجل سورية الحرة» في عام 2011، وساهم في تأسيس «هيئة شام الإغاثية» في أميركا. ثم عمل على إدارة وحدة تنسيق الدعم الإغاثي والإنساني في «الائتلاف الوطني». وكانت «هيئة الشام» من المؤسسات الفاعلة في مجالي الإغاثة والمساعدات الإنسانية في سورية، وربط المغتربين بالداخل. وقال بيان وزعه «الائتلاف» إن هيتو عمل على «التنسيق بين كل المنظمات الخيرية العاملة في المجال الإنساني» وإنه تفرغ لتأسيس وحدة التنسيق في «الائتلاف» وحظيت ب «اعتراف دولي» وعملت قرب الحدود السورية - التركية. وهيتو المولود في دمشق في عام 1963، يتحدر من أصول كردية، من دون أن يعرف عنه نشاط في الأحزاب السياسية. وقال الأمين العام ل «الحزب الديموقراطي التقدمي الكردي» عبدالحميد درويش ل «الحياة» إنه لا يعرفه و «ليس محسوباً على الأكراد». وأضاف أنه يتمنى أن يكون هيتو «إيجابياً تجاه الشعب السوري عموماً بمن فيهم الأكراد». وفيما قال محللون إن تعيين هيتو ربما يساهم في دخول التكتلات السياسية الكردية في «الائتلاف»، أوضح درويش أن ذلك يرتبط بحل «خلافات» داخل الحركة الكردية، مشيراً إلى أن القادة السياسيين سيحددون موقفهم منه «وفق مواقفه السياسية وليس أصوله الكردية». أما رئيس «هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديموقراطي» في المهجر هيثم مناع فقال إنه لم يسمع باسمه «في حياتي». في حين نقلت مصادر عن أحد قياديي المعارضة قوله إن أحد أسباب اختيار هيتو أنه يحمل الجنسية الأميركية، ذلك لتخفيف معارضة واشنطن لتشكيل الحكومة، باعتبار أن الإدارة الأميركية لا تزال تسعى إلى تشكيل حكومة انتقالية من المعارضة والسلطة بموجب بيان جنيف بعد «تغيير ميزان القوى على الأرض». ولم تعرف طبيعة العلاقة الإدارية التي ستقوم بين «الدمشقيين» هيتو ورئيس «الائتلاف» معاذ الخطيب الذي كان لوح بالاستقالة من منصبه، وسط تبادل اتهامات مع الأمين العام ل «الائتلاف» مصطفى صباغ. وأكدت مصادر عدة ل «الحياة» أن هيتو حظي بتأييد ودعم من صباغ وكتلة «الإخوان». ويتوقع أن يركز هيتو على تشكيل حكومة تضم حقائب وزارية تتناول الدفاع للإشراف على الكتائب المقاتلة وشؤون الإغاثة والعدل والطاقة والمياه والجمارك والخدمات. وفي أول مؤتمر صحافي بعد تعيينه أوضح هيتو العناوين الرئيسة التي ستسير عليها حكومته. وقال «ستبدأ الحكومة عملها من المناطق المحررة، وستمهد للشعب وبرعاية الائتلاف الطريق نحو المؤتمر الوطني العام بعد سقوط النظام وصولاً إلى انتخابات حرة شفافة تعبر عن تطلعات الشعب السوري». وأضاف أن الحكومة «ستعمل كل ما في وسعها لبسط سيطرة نواة الدولة السورية الجديدة في المناطق الحرة تنظيمياً وإداريا في شكل تدريجي وبالتعاون الوثيق مع قيادة أركان الجيش الحر والكتائب». وحدد الأسس التي ستعتمد لبسط السيطرة وتقوم على «إرساء الأمن وسلطة القانون ومكافحة الجريمة والحد من فوضى السلاح، وحماية المنشآت الاستراتيجية والمرافق العامة والخاصة وإعادة تشغيل كل ما يساعد أبناء شعبنا الصامد على أن يحيا بحرية وكرامة». كما أشار إلى أن الحكومة ستعمل على «تفعيل القضاء والمؤسسات الإدارية والخدمية الواقعة تحت سيطرة الثوار والتحكم بالمعابر الحدودية المحررة واعتبارها المنافذ الوحيدة لإدخال المساعدات الإنسانية» إلى سورية. وأوضح أن المساعدات ستطاول أيضاً «الذين أجبروا على النزوح خارج الوطن»، مشيراً إلى أنه سيتم تشكيل «جهاز خاص لمتابعة أوضاعهم وتقديم الخدمة لهم مع وضع المخططات اللازمة لإعادتهم إلى المناطق المحررة بعد تأهيلها وصولاً إلى الهدف الأساسي وهو أن يعود كل مواطن سوري إلى بيته الذي نزح منه مع النصر بإذن الله». وشدد على أن الأولوية تبقى «لتأمين الدعم العسكري والمالي للجيش الحر وهيئة الأركان والثوار» بهدف «إسقاط نظام بشار الأسد بكل أركانه قبل كل شيء». ووجه هيتو الذي سيواجه قريباً تحدي التعامل مع المجموعات المسلحة على الأرض والحصول على تعاونهم تحية إلى «ثوارنا الأبطال وهيئة أركان الجيش الحر وكل عناصر الجيش الحر»، داعياً «جميع الضباط وجنود الجيش السوري إلى أن يلقوا السلاح وينحازوا إلى شعبهم وألا يأتمروا بأمر حاكم ظالم قرر الشعب مصيره». وشكر قطر وتركيا والسعودية وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والولاياتالمتحدة «على الدعم السياسي والمادي». ودعا المجتمع الدولي إلى السماح للحكومة الجديدة «بشغل مقعد سورية في الأممالمتحدة والجامعة العربية والمنظمات الإقليمية والدولية، الأمر الذي سيمكن الحكومة الجديدة من استلام السفارات وتسييرها»، و «الاعتراف بهذه الحكومة ممثلة للدولة السورية فوق أي أرض وتحت أي سماء». كما دعا إلى الإفراج عن أموال مجمدة للشعب السوري في عدد من الدول وتسليمها للحكومة المعارضة لتستعملها في «تسيير شؤون الحكومة وخدماتها». وتوجه إلى الدول الداعمة للنظام السوري بالقول «لا تراهنوا على خيار خاسر. لن يرحمكم شعبكم ولا أجيالكم على دعم هذا الظالم والوقوف إلى الجانب الخاطئ من التاريخ».