قطع اليمن أمس خطوة رئيسية على طريق تنفيذ بنود التسوية السياسية التي أرستها المبادرة الخليجية، بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي ومشاركة ممثلين عن مختلف الأطراف السياسيين والقوى الاجتماعية، لمناقشة مشكلتي الجنوب وصعدة وبناء القوات المسلحة وإعداد دستور جديد يضمن الانتقال السلس إلى الدولة المدنية وتجرى على أساسه انتخابات رئاسية وبرلمانية العام المقبل. ويعلق اليمنيون آمالاً كبيرة على الحوار الذي يستمر نحو 75 يوماً، لتخفيف الاحتقان الناجم عن الانتفاضة الشعبية العارمة التي أطاحت حكم الرئيس علي عبدالله صالح أواخر 2011، ولإنهاء المواجهة السياسية التي لا تزال تعطل عودة بلادهم إلى الحياة الطبيعية، ولإظهار جدية مختلف المكونات في السعي إلى إقامة عدالة اجتماعية ومناطقية والحد من مركزية السلطة بما يشكل رداً مناسباً على الدعوات الانفصالية التي استمرت امس في مدن الجنوب. وأكد الرئيس هادي في كلمة افتتح بها المؤتمر أنه لا توجد خيارات أمام المتحاورين سوى النجاح، داعياً إياهم إلى «فتح صفحة جديدة وترك مكائد السياسة خارج القاعة»، ومؤكداً أن «القضية الجنوبية» هي المحور الأساس في الحوار. وقال هادي الذي بدا متفائلاً على رغم مقاطعة نحو عشرة أعضاء معظمهم جنوبيون وغياب رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة، إن «هذا المؤتمر الوطني الكبير ليس أمامه سوى خيار واحد هو خيار النجاح والنجاح فقط»، لكنه وجه في الوقت نفسه رسالة شديدة اللهجة إلى رافضي الحوار قائلاً إن «من لا يعجبه الحوار فالباب مفتوح» وكررها أكثر من مرة. واعتبر أن حل «القضية الجنوبية» أساس الحوار، وأن «أي تفكير لفرض أي تصور بالقوة لن يقود إلا إلى فشل ذريع وأخطاء كارثية ودمار كبير». وكان هادي أصدر مساء أول من أمس، قراراً بتشكيل رئاسة مؤتمر الحوار، قضى بتعيين نفسه رئيساً، وإلى جانبه ستة نواب من توجهات سياسية مختلفة، هم عبدالكريم الإرياني وياسين سعيد نعمان وعبدالوهاب الآنسي وأحمد الصريمة وسلطان العتواني وصالح هبرة. ولوحظ تغيب هبرة الذي يمثل جماعة «الحوثيين» عن الجلسة الافتتاحية. وقال مصدر مقرب من الجماعة ل «الحياة» إن السبب هو قرار بمقاطعة أي فعالية يحضرها السفير الأميركي. وحضر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني الذي تأخر بسبب عطل طرأ على طائرته القادمة من الرياض. وأشار في كلمة مقتضبة إلى «حرص قادة دول مجلس التعاون الخليجي على دعم الشعب اليمني وتمنياتهم بنجاح المؤتمر». وأشار مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن جمال بن عمر إلى فرادة تجربة نقل السلطة في اليمن، وقال إن «اليمن يشكل الحالة الوحيدة التي تحقق فيها انتقال السلطة عبر عملية تفاوضية سلمية». وبينما كان المؤتمر منعقداً، نظمت أطراف في «الحراك الجنوبي» تظاهرات حاشدة في عدن ومدن جنوبية أخرى، رفعت خلالها أعلام اليمن الجنوبي السابق ورددت شعارات مناوئة للحوار ومطالبة بالانفصال عن الشمال. وأفادت مصادر محلية في حضرموت (شرق)، بأن ناشطاً جنوبياً لقي حتفه برصاص الشرطة في مدينة تريم. إلى ذلك، خرجت في صنعاء أمس تظاهرات حاشدة نظمها «شباب الثورة»، إحياء لذكرى «مجزرة جمعة الكرامة» التي قتل فيها 50 شاباً من المحتجين على نظام صالح، وطالب المشاركون بمحاكمة مرتكبيها، كما عبروا عن رفضهم للحوار الوطني إذا لم يحقق أهداف انتفاضتهم. وتتواصل اليوم جلسات الحوار، حيث يبدأ المتحاورون الذين توزعوا في تسع مجموعات مناقشة قضايا الجنوب وصعدة والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وبناء الدولة وأسس بناء الجيش وإعداد دستور جديد.