ليس ثمة من وجبة دسمة وشهية لدور النشر أكثر من معارض الكتاب، ومعرضنا الدولي في الرياض أهمها وألذها، سأعود وأشرح لماذا يقف معرض الكتاب في عاصمتنا متصدراً الأهمية وفاتحاً للشهية لكل دور النشر؟ مراكز النشر المتخصصة والدور المميزة وما جاورها من دكاكين لبيع الحبر ترمي بثقلها فيه، وتقاتل لنشر أيّ شيء، شريطة أن يكون المنشور محتوياً على ما يتعلق أو يمسّ أو يحتضن التابو الاجتماعي، ذلك الذي نفتش عن جلّ ما يكتب عنه تحت تأثير «أن كل ممنوع مرغوب». حركة البيع لا بد أن تكون عالية، ونحن نذهب لاقتناء المحتوى، نزولاً عند غلاف مغرٍ، وعنوان ملفت، وشعب يغلب العاطفة على العقل، سترتفع المبيعات، ونحن نتجه إلى ساحة المعرض بهوس شرائي، فرضته علينا حياة صنعت منا مجتمعاً مهووساً بالإغراء وفتنة الشراء، من دون أن يدقق جيداً في ما هو بين يديه، وما جدواه أو ثمرته إن مرّ على الروح والعقل، ولي أن أعترف هنا بأن دُوْراً حققت الشهرة، وهي تمارس تسطيحاً ثقافياً لدرجة تشعر معها بالألم، وتبيع الفراغ علناً أو مدوناً في صفحات، هي أقرب للفراغ، تقدم لنا الوهم والرداءة الفكرية في ثوب العمل الدعائي والإعلاني والترويجي المتجه إلى الجيوب مباشرة، في ظل أن العقل منشغل بمهمات أخرى. يكون معرض الكتاب عشقاً لدور النشر، لأنها تعلم أن علاقتنا بالكتاب والعناوين والإصدارات منحصرة في أحد عشر يوماً تمثل مدة المعرض، ولأنها مؤمنة بأن القوة الشرائية لدينا تطغى على القوة المعرفية، في ظل أن انعكاسات الفعل القرائي السعودي على المجتمع لا يمثّل القوة الشرائية الهائلة التي تزودنا بها الإحصاءات والأرقام المرتفعة، يكون معرض الكتاب حكاية مختلفة، لأن الخريطة الوطنية تجتمع على هذا الكرنفال الثقافي، وبالتالي ففرصة الشراء والانتقاء تحتمل طابع السرعة والعشوائية أكثر من أي شيء آخر. السوق الكتابي المستتر تحت معرض الكتاب يسلخ «الزبون» من دون أن يتنبه أحد، فحجم المعروض لا يقارن بالكادر البشري الموجود لمتابعة اللعب التجاري الذي يتخذ من الثقافة رافداً له، وقد أقْبَل بنزيف الجيوب على حساب أعمال ثقافية راقية وفاتنة وأنيقة، ترفع من الوعي والحضور العلمي والمعرفي، وتقدم لنا جديداً يميز معرض الكتاب الدولي عن مكتبة الحي أو مطبعة المدينة، أقبل بنزيف يتركني في ارتقاء وعلو، ولا يذهب بي إلى مأساة وضحك علني عن تصدر كتاب هابط لمبيعات معرض كامل، وكذبة نفاذ كميات كتاب آخر، وهو لا يصلح أن يوضع حتى على الرصيف. بعض دور النشر تنتشي بالتسطيح والاستغفال، وتضحك على العامة بجمل «الأكثر مبيعاً، والطبعة العاشرة، والأشهر، والمتصدر»، وما شابهها من عبارات التطبيل والتسويق الردئ، هي بحق «دور التسطيح الثقافي للنشر». [email protected] alialqassmi@