يعتبر الاتفاق الايراني - الباكستاني لتصدير الغاز عبر مد انبوب من حقل غاز «بارس الجنوبي» الايراني الى الاراضي الباكستانية، انجازاً سياسياً واقتصادياً مهماً لكل من الدولتين. اذ استطاع البلدان بعد نحو 20 سنة من المفاوضات، تخطي العقبات التي أخرت توقيع الاتفاق. والمهم في الأمر، بخاصة لإيران، هو ولوج سوق جديدة لصادرات الغاز بعد ان اغلق كثير من الأسواق الأوروبية والآسيوية أمام الصادرات الايرانية بسبب العقوبات الغربية. كما ان تحقيق هذا الاتفاق تم في فترة من المفروض ان تشهد فرض اقسى العقوبات الاقتصادية الغربية عليها، ما يعني اخفاقاً للولايات المتحدة في تطبيق هذه العقوبات، كما يعتبر الاتفاق مثالاً آخر على نجاح ايران في توسيع نفوذها اقليمياً من خلال استغلال المصالح الاقتصادية المشتركة مع الدول المجاورة. ويشكل الاتفاق فشلاً للولايات المتحدة في مشروع بديل ساندته لفترة طويلة وهو تشييد خط انابيب لتصدير الغاز من تركمانستان الى دول غرب آسيا (افغانستانوباكستان والهند) بدلاً من الخط الايراني. لكن، كأي مشروع ضخم من هذا النوع، لا بد من توقع بعض السلبيات، ومنها محاولة ايران في بادئ الأمر تصدير الغاز الى الهند من خلال باكستان. ومن ثم، فان الاخفاق في ضم الهند الى المشروع، شكّل خسارة لايران لولوج واحدة من أهم أسواق الطاقة الأسيوية الواعدة. وبالفعل فان الفكرة الأولى للمشروع كانت تزويد الهند بالغاز، وانصبت مراحل المفاوضات الأولى على كيفية عبور الغاز الى الهند عبر باكستان، من دون ان تقوم الأخيرة باغلاق الخط خلال احدى الخلافات بين البلدين، وما اكثرها. كما ان تضييع جهود 20 سنة من اجل توقيع اتفاق واحد، لا بد ان يشكل رقماً قياسياً في المفاوضات لبناء خط انابيب غاز بين بلدين مجاورين. ويتخوف المراقبون من القدرة على حماية الخط، خصوصاً خلال عبوره منطقة بلوشستان المضطربة، حيث الحركات الانفصالية وعصابات التهريب، من ثم احتمال تخريبه بين فترة وأخرى. أنجز معظم مراحل الخط في الأراضي الايرانية ( نحو 900 كيلومتر). والاتفاق الذي تم في 11 الجاري هو لبناء الجزء الباكستاني (780 كيلومتراً). ويكمن الهدف من الخط في تحقيق ربط مباشر لحقل «بارس الجنوبي» الذي يشكل الجانب الايراني من حقل «غاز الشمال» القطري العملاق، مع دولة اسيوية مجاورة ذات سوق ضخمة، ومن ثم، استغلال هذا الخط لايصال الغاز الايراني الى أسواق آسيا الغربية الواعدة في المستقبل. ويشير مخطط المشروع الى ان طاقة الخط تبلغ نحو 21.5 مليون متر مكعب وستستطيع توليد نحو 3000 -4000 ميغاوات من الكهرباء. ويذكر ان باكستان تخسر نحو 12 بليون دولار سنوياً من انقطاع الكهرباء عن مصانعها. ويتوقع اتمام المشروع خلال سنتين، وتقدر كلفته ب7.5 بليون دولار (تبلغ نفقات الجزء الباكستاني منه نحو خمسة بلايين). وتشير الأنباء الى ان الصين على استعداد لمنح باكستان قرضاً ب 500 مليون دولار تغطية تكاليف المشروع على اراضيها. يذكر ان المحادثات لتشييد هذا الخط، الملقب «خط أنابيب السلام» كانت قد بدأت قبل عقدين (1994)، وتوقفت المفاوضات مرات بسبب الضغوط الاميركية والعقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على ايران، ناهيك عن خلافات حول اقتصادات المشروع. كما ان الهند قررت في 2009 الانسحاب من المشروع، متذرعة بأسباب أمنية ومالية. لكن حقيقة الأمر، أن نيودلهي أذعنت للضغوط الأميركية والبدائل التي قدمتها لها واشنطن من خلال توقيع اتفاق للتعاون النووي في المجال السلمي. ويعزو بعض الخبراء موافقة باكستان على المضي في المشروع الى تدهور علاقاتها مع أميركا. لكن حقيقة الأمر، ان واشنطن لم تترك خيارات كافية للحكومة الباكستانية، بخاصة مع توفيرها البدائل الطاقوية (النووية) الى جارتها وغريمها الأكبر الهند، وايضاً مع اقتراب الانتخابات، من ثم الخيار ما بين انقطاعات متزايدة في الطاقة الكهربائية لنقص الوقود و الاستياء المتزايد للرأي العام المحلي، او القبول بغضب اميركي. حذرت الولاياتالمتحدة من ان المشروع قد يؤدي الى فرض عقوبات على باكستان ذات علاقة بالملف النووي الايراني. وقالت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الاميركية « اذا تم التوصل الى اتفاق نهائي للخط الايراني- الباكستاني، فهذا سيثير مشاكل عدة تحت طائلة قانون حصار ايران. وقد شرحنا هذا الامر بوضوح للجانب الباكستاني في مفاوضاتنا معه.» لكن رئيسة وزراء الباكستان حنة رباني خار استبعدت احتمال ان تفرض الولاياتالمتحدة عقوبات على بلادها، وذكرت في مؤتمر صحافي الجمعة، «ان الولاياتالمتحدة تعرف جيدا طبيعة علاقات باكستان مع الجارة ايران، واهمية هذه العلاقات. ان تكملة تشييد الخط ستطلق مرحلة جديدة من السلام والتعاون». تشعر باكستان انها بحاجة ماسة الى الغاز الطبيعي لتغذية محطاتها الكهربائية. وبالفعل فقد انقطعت الكهرباء في مختلف ارجاء البلاد الشهر الماضي . ويذكر ان في الأسبوع الذي وقعت باكستان العقد مع ايران، اتفقت ايضا على استيراد نحو 1.5 مليون طن سنوياً من الغاز المسيل القطري. وكان من المفروض الاتفاق مع قطر في وقت سابق، لكن حصل خلاف على السعر. وبحسب مسؤول باكستاني تم الاتفاق على سعر أقل في النهاية، من دون تحديده. بدورها، تنتج باكستان نحو 4.2 بليون قدم مكعبة من الغاز يومياً، وهي أقل بكثير من استهلاك البلاد البالغ نحو 6.6 بليون يومياً .وتشير مصادر الى ان البلاد ستحتاج بحلول عام 2020 الى استيراد 66 بليون متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي، لتوفير الوقود اللازم لمحطات الكهرباء في حينه، ما يعني استيراد كميات اضافية على ما هو متعاقد عليه حالياً، او اكتشاف حقول جديدة في البلاد. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية