على رغم تراجع العصيان في قطاعات وزارة الداخلية في مصر، وهدوء الأوضاع الميدانية في غالبية المدن التي شهدت مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين على مدار الأسابيع الماضية، أصرّت «الجماعة الإسلامية» على اقتراحها تشكيل «لجان شعبية» للمساعدة في حفظ الأمن، وذهبت إلى حد المطالبة بتقنين أوضاعها وتبعيتها لرئاسة الجمهورية. وكان أعضاء في «الجماعة الإسلامية» نظّموا مسيرات في محافظتي أسيوط (جنوب مصر) وكفر الشيخ (في الدلتا) لتدشين «لجان شعبية» لحفظ الأمن بعد إضراب قطاعات في الشرطة، ما اعتبرته قوى معارضة إيذاناً بعودة «الجناح العسكري» للجماعة. وبعدما أحدث هذا العرض موجة عارمة من الانتقادات، أكدت رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية أن الشرطة وحدها هي المكلفة حفظ الأمن. لكن قادة «الجماعة الإسلامية» عقدوا أمس مؤتمراً صحافياً في مقر حزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسية للجماعة، أكدوا خلاله تمسكهم بتشكيل اللجان الشعبية. وقال الناطق باسم الحزب خالد الشريف إن كتلتهم البرلمانية في مجلس الشورى، الذي يتولى سلطة التشريع موقتاً، تعتزم التقدم للبرلمان بمشروع قانون لتقنين هذه اللجان على أن «تكون جهازاً معاوناً للشرطة وتابعاً لرئاسة الجمهورية». لكنه حرص على تأكيد أن تلك اللجان «لن تكون بديلاً للشرطة ولن تكون مسلحة». وهاجم القيادي في الجماعة عاصم عبدالماجد منتقدي قرار الجماعة تشكيل لجان شعبية. وقال: «انقلبت الدنيا رأساً على عقب واتهمنا الإعلام بتكوين ميليشيات مسلحة وكأن (ميدان) التحرير لا يوجد فيه ميليشيات مسلحة و «البلاك بلوك» ليست ميليشيات مسلحة!». ورأى أن بعضهم يحاول «الوقيعة» بين التيارات والأحزاب الإسلامية وبين الشرطة. وقال: «نحب رجال الشرطة وأظن أنهم يبادلوننا الشعور نفسه». وقال القيادي في الجماعة الدكتور طارق الزمر إن فكرة اللجان الشعبية تستهدف إفشال مخطط انسحاب الشرطة أو استنزاف الجيش بالنزول إلى الشارع، مضيفاً: «نُريد أن نكون عوناً للمواطن والشرطة ولسنا بديلاً لوزارة الداخلية». في غضون ذلك، تترقب القاهرة وصول وفد رفيع المستوى من صندوق النقد الدولي الأحد للقاء كبار المسؤولين وبحث خطوات الإصلاح الاقتصادي وشروط الحصول على قرض بقيمة 4.8 بليون دولار تعوّل عليه مصر لإنعاش الاقتصاد المتردي. في غضون ذلك، عقدت «جبهة الإنقاذ الوطني» التي تضم غالبية قوى المعارضة اجتماعاً أمس ركّز على شأنها الداخلي لكنه تطرق أيضاً إلى مبادرات الحوار مع الحكم. وكشف القيادي في الجبهة عمرو حمزاوي ل «الحياة» أن الجبهة ستبادر خلال الساعات المقبلة بالدعوة إلى الحوار مع عدد من الأطراف لبحث النقاط العالقة وفي مقدمها الموقف من «الحكومة، والنائب العام، وقانون تنظيم الانتخابات، والموقف الاقتصادي في البلاد»، مشيراً إلى أنه في المرحلة الأولى ستتم الدعوة إلى مائدة مستديرة تحضرها أحزاب «مصر القوية» الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق عبدالمنعم أبو الفتوح و «مصر» الذي يقوده الداعية عمرو خالد، إضافة إلى حزب «النور» السلفي، و «الإصلاح والتنمية». وعن سبب تجاهل دعوة حزب «الحرية والعدالة» الحاكم، قال حمزاوي: «الأمر ليس به تجاهل وإنما نحن سنتناقش كأطراف فاعلة في القضايا العالقة وصولاً إلى توافقات بعيداً عن مؤسسة الحكم». لكنه لم يستبعد أن يتم في مرحلة ثانية الدعوة إلى حوار يضم الحزب الحاكم، ولفت حمزاوي أيضاً إلى أن الجبهة اتفقت أيضاً أمس على عقد مؤتمر خلال ساعات «لعرض أفكارنا وتقديم بديل للسلطة». من جانبه شدد القيادي في الجبهة عمرو موسى ل «الحياة» على أن قيادة المعارضة «تحتاج إلى أجندة واضحة للحوار مع السلطة، وضمانات تصل بنا إلى توافق»، مشيراً إلى أن الحوار «ليس هدفاً وإنما هو أسلوب للوصول إلى توافقات، ويجب أن يكون له أسس». وأشار موسى إلى أن اجتماع الجبهة بحث عدداً من الأمور التنظيمية الداخلية، و «تطرقنا إلى قضية اللجان الشعبية التي أطلقها البعض، وأبدى غالبية الأعضاء انزعاجه من تلك الدعوات غير المفهومة إذ أن هناك تخوفاً من أن تتحول إلى ميليشيات مسلحة». وكانت الرئاسة المصرية سعت إلى تهدئة غضب القوى السياسية إزاء طعن في قرار وقف الانتخابات، وأكدت في بيان أن الانتخابات التشريعية ستؤجل إلى حين إعداد قانون جديد للانتخابات وعرضه على المحكمة الدستورية العليا وفقاً للدستور، وشددت على احترامها الكامل لحكم محكمة القضاء الإداري المتعلق بوقف إجراء انتخابات مجلس النواب، وأشارت إلى أنها حسمت موقفها بتنفيذ الحكم فور صدوره، وهو ما ترتب عليه إيقاف اللجنة العليا للانتخابات لكل الإجراءات وإرجاء الاقتراع برمته. من جانبه، دعا مرشد جماعة «الإخوان المسلمين» الدكتور محمد بديع كل القوى السياسية والشعبية والثورية إلى «سحب أنصارها من الشارع، والتوقف لفترة زمنية محددة عن النزول للشارع، والتفرغ لبناء الوطن واستكمال المؤسسات»، عازياً دعوته إلى «تحقيق التمايز الواضح والصريح بين المخلصين من أبناء الوطن من السياسيين الشرفاء، والمخربين والمتاجرين بدماء شبابنا، ولرفع الغطاء السياسي عن هؤلاء المجرمين الذين يتلذذون بإراقة الدماء، ولنساعد بذلك الأجهزة الأمنية المعنية في التفريق بين المصلح والمفسد، والثائر والبلطجي، والسياسي والمجرم».