رفضت «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة في مصر دعوة الرئيس محمد مرسي للانضمام إلى الحوار الذي يرعاه، واصفة إياه بأنه «غير جاد». وبدا أن الرئاسة تراهن على هذا الحوار من أجل تجاوز الأزمة السياسية الراهنة والحصول على تأييد من المعارضة لإجراءات تقشفية في مواجهة الأزمة الاقتصادية العاصفة التي تؤرق الحكم. وعلم أن ثلاثة مواقف متباينة طُرحت خلال الاجتماعات المتتالية ل «جبهة الإنقاذ» منذ إقرار الدستور في شأن التعامل معه، أولها اعتبار الدستور «معركة وانتهت» والنظر إلى الأمام عبر الانخراط في العملية السياسية تحت سقفه، والثاني رفض المشاركة في العملية السياسية من الأساس والاستمرار في الحراك الشعبي لإسقاط الدستور، أما المموقف الثالث فيتبنى أنصاره المشاركة السياسية لكن بعد الحصول على تعهدات من الحكم تضمن المساواة بين مختلف القوى. وبعدما جدد مرسي دعوته إلى قوى المعارضة للانضمام إلى الحوار الذي تشارك فيه أحزاب وشخصيات من التيار الإسلامي وحلفائه، أعلنت الجبهة في بيان عقب اجتماع استمر لساعات مساء أول من أمس رفضها الحوار. وأكدت «استمرارها في تجمعها الذي يضم القوى الحية المعارضة لنظام الحكم الحالي الذي يسعى إلى إقامة نظام استبدادي باسم الدين». وأضاف البيان الذي تلاه الناطق باسم الجبهة حسين عبدالغني في مؤتمر صحافي أن «أطراف ورموز الجبهة تتعهد أمام الجماهير مواصلة نضالها السلمي ضد دستور لا يعبر عن توافق وطني ويهدر الحريات العامة وحقوق الفقراء والمواطنة والنساء عبر استخدام كل الوسائل الديموقراطية بما في ذلك حق التقاضي والتظاهر والاعتصام». ودعا إلى «التظاهر الحاشد ضد مشروعية هذا الدستور في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير». وأشار إلى أن الجبهة ناقشت البدائل والمبادرات المطروحة للتعامل مع الموقف السياسي الراهن وستستكمل مناقشة هذه البدائل في اجتماعاتها المقبلة، لكنه أكد رفض التشكيل الراهن لمجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) الذي آلت إليه سلطة التشريع «وسياسة توزيع الرشاوى والغنائم السياسية في الحوار غير الجاد الجاري حالياً في مقر الرئاسة منذ فترة لأنه حوار يفتقد إلى الحد الأدنى من الجدية». وشدد على أن «الدستور يفتقر إلى المشروعية الأخلاقية والسياسية والشعبية لأنه لا يوجد به أي توافق وطني، والاستقطاب زاد حدة بعده»، لافتاً إلى أن الجبهة ستواصل تأكيد حدوث انتهاكات فاضحة تصل إلى حد التزوير. وأمام إصرار المعارضة على رفض الحوار، شكلت الرئاسة وفداً لإقناعها بالحوار تضم الناشر إبراهيم المعلم ورئيس حزب «الإصلاح والتنمية» محمد أنور السادات والناشط القبطي المعين في مجلس الشورى سامح فوزي. وذكر بيان للرئاسة أن الوفد «سيتواصل مع بقية القوى السياسية من أجل حضورها ومشاركتها فى الحوار». ولمحت الرئاسة إلى إمكان تعديل المواد المختلف عليها في الدستور، وأوضحت في بيانها أن المشاركين في الحوار أكدوا «استمرار التفاهم على المواد المطلوب التوافق في شأنها في الدستور الجديد». وأبدت استعداداً لتلقي اقتراحات قوى المعارضة بما فيها «جبهة الإنقاذ» في شأن قانون انتخابات مجلس النواب لمناقشتها في اللجنة القانونية السياسية المنبثقة عن الحوار، على أن تُعرض بعد ذلك تفصيلياً على اجتماع موسع للقوى المشاركة في الحوار يُعقد الأحد المقبل لتقديم الاقتراح النهائي للحوار لمجلس الشورى قبل مناقشة مشروع القانون الذي ستقدمه الحكومة في هذا الصدد. وبدا أن الرئاسة حريصة على انضمام «جبهة الإنقاذ» إلى الحوار، إذ دعت «القوى السياسية غير المشاركة» فيه، وهي «جبهة الإنقاذ» بالأساس، إلى «إرسال اقتراحاتها في شأن بنود أجندة الحوار المختلفة». وطالما شكا قادة الجبهة من فرض أجندة الحوار من قبل مؤسسة الرئاسة والتغاضي عن الموضوعات الرئيسة التي ترى الجبهة أولويتها. وكشف القيادي في الجبهة رئيس حزب «مصر الحرية» عمرو حمزاوي ل «الحياة» أن المناقشات داخل الجبهة أبرزت ثلاثة مواقف في شأن التعامل مع تمرير الدستور. وأوضح أن «الرأي الأول يقول بتجاهل الدستور والمشاركة في الحياة السياسية وقبول الأمر الواقع والتركيز على آليات المشاركة حتى لو عبر التعيين في مجلس الشورى أو الاستعداد لانتخابات مجلس النواب المقبلة أو المطالبة بتشكيل حكومة إنقاذ وطني تجمع بين الحكم والمعارضة». وقال إن أصحاب هذا الرأي الذين رفض تسميتهم «يرون أن الدستور معركة انتهت ويتخوفون من الخروج الكامل من الحياة السياسية وإضعاف أحزابهم وتياراتهم وترك الساحة للإخوان وحلفائهم بمفردهم». وأضاف أن «الرأي الثاني يتبنى مواصل العمل على إسقاط الدستور شعبياً وسياسياً وقانونياً لأنه وثيقة تعصف بالحقوق والحريات ولا شرعية شعبية أو سياسية أو قانونية لها حتى وإن أقرت في استفتاء شعبي»، لافتاً إلى أن «أصحاب هذا الرأي يرفضون تماماً المشاركة في الآليات والعمليات السياسية التي يرتبها هذا الدستور المشوه ومن ضمنها انتخابات مجلس النواب»، أما الموقف الثالث فهو «الربط بين إسقاط الدستور المشوه عبر آلية التعديل وبين المشاركة في الحياة السياسية». وأوضح أن أصحاب هذا الرأي يقترحون «انفتاح المعارضة على المشاركة السياسية مقابل التوافق مع الحكم على آليات وضوابط ملزمة لتعديل المواد المعيبة في الدستور وأيضاً وضع معايير ديموقراطية وعادلة للمشاركة السياسية والمنافسة الانتخابية بحيث تضمن عدم تكرار التجاوزات التي شهدها الاستفتاء». وأضاف أن هذا الموقف أيضاً «يقضي بالانفتاح على الحوار الوطني مع الحكم في إطار أجندة واضحة ترتكز إلى ثلاثية الدستور والوضع الاقتصادي وقضايا السياسة». وأشار إلى أنه وآخرين يدعمون هذا الموقف، لكنه رفض تسمية الأطراف المصطفة بين هذه المواقف المتباينة.