لم يُعط «يوم المرأة» في سورية سابقاً أية أهمية تستحق الذكر. ولعل أكثر ما يمكن الحديث عنه في السنوات السابقة احتفالية صغيرة هنا أو محاضرة هناك، وسط حضور هزيل ومتكرر للشخصيات ذاتها. وكان من الطبيعي ألا تعرف غالبية السوريين الكثير عن هذا اليوم، حتى إن الكثير من الكتاب والمثقفين كثيراً ما كانوا يخلطون بينه وبين «عيد الأم». ووسط كل العواصف التي تضرب سورية اليوم، تعيش النساء السوريات واحدة من أسوأ المراحل في تاريخ البلد، فقبل أسبوع واحد من اليوم العالمي للمرأة أجريت انتخابات المجلس المحلي في مدينة حلب ولم يكن هناك امرأة واحدة تمثل جمهور النساء في هذا المجلس، ولا يمكن التفاؤل في ما يتعلق بأية مجالس محلية أخرى أو انتخابات طالما أن حلب بدأت بإخراج النساء من دائرة الشأن العام. تقول حنان، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة: «تُكافأ المرأة السورية في يوم المرأة، ليس فقط بحال اللاستقرار والجوع والعوز وفقدان الأمن الشخصي، وإنما باستبعادها من الحياة السياسية أيضاً، كما حدث في حلب». وترى أن الأمر لا يتعلق بغياب التمثيل السياسي للمرأة في مجلس من المجالس المحلية وحسب، بل بالإغفال المتعمّد لدورها في الحياة المستقبلية لسورية وللفئة الواسعة التي تعتبر المرأة ممثلاً لها. معتقلات وتشير إلى أن «ما حدث في حلب هو نكران واضح للجميل تجاه التضحيات التي قدمتها المرأة في هذه المحافظة، ولا يمكن تفادي تكرار حصول هذا في أي هيكلية جديدة». وتضيف: «من السخرية الحديث عن يوم للمرأة، بينما نرى آلاف النساء والأطفال بلا مأوى وفي أوضاع إنسانية مهينة. وإذا كنا نتحدث في السنوات الماضية عن تمكين المرأة، فإننا للأسف نتحدث اليوم عن حمايتها من القتل والاعتقال والخطف ونتحدث عن تجويعها هي وأطفالها». وتركت الثورة المندلعة منذ سنتين في سورية آثارها على كل مكونات المجتمع، لكن أكبر المتأثرين بالحرب كان جمهور النساء، خصوصاً مع تصاعد ظاهرة اختطاف النساء السوريات واعتقالهن وتعذيبهن وإذلالهن بهدف الضغط على ذويهن من الناشطين. ووفقاً ل «المنظمة السورية لحقوق الإنسان» (سواسية) فإن أكثر من 3900 امرأة قتلن منذ اندلاع الأحداث في 15 آذار (مارس) 2011. كما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 17 امرأة بسبب التعذيب وأكثر من 6400 بين معتقلة أو مختفية قسرياً في المحافظات السورية. ومع أن أحداً لا يعلم على وجه الدقة أعداد النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب بسبب التستر على هذه الجريمة من جانب المغتصبات وذويهن، فقد رصدت أيضاً الشبكة السورية لحقوق الإنسان ست حالات قتلت فيها الفتاة المغتصَبة من جانب الأب أو الأخ، وذلك للتخلص من «العار». تقول المنظمة السورية لحقوق الإنسان، في بيان لها لمناسبة يوم المرأة العالمي: «لم يكد يمضي يوم واحد طوال العام المنصرم من دون أن تسقط فيه امرأة واحدة على الأقل نتيجة القمع الممنهج والذي تصاعدت حدته خصوصاً في حق المرأة التي أصبحت أداة للتسلط والإذلال النفسي والقهر والاستعباد السياسي حتى تحول استهدافها في بعض المناطق إلى استراتيجية ممنهجة تمارسها القوات الحكومية من دون وازع من ضمير أو أخلاق، في ظل الاقتحامات والمداهمات وخرق حرمات البيوت وترويع الأهالي». انتهاكات منظمة لم يجد «يوم المرأة»، شأنه شأن الأيام الاحتفالية الأخرى عند السوريين، من يحتفي به هذه السنة. فالأوضاع المتردية التي تحيط بالنساء لا تجعل لهذا اليوم أي قيمة تستحق الوقوف عندها. لكن ذلك لم يمنع كثيراً من الناشطات من محاولة إحيائه على طريقتهن، من خلال التعليقات والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي التي ذكرت بحجم المعاناة التي تواجه المرأة والانتهاكات الخطيرة التي تطاول المرأة السورية في حياتها اليومية. كما وجد كثر في هذا اليوم مناسبة للمطالبة بوقف اعتقال النساء والفتيات والإفراج الفوري عن جميع المعتقلات، وكذلك مناسبة لإطلاق صيحة في وجه التسلط الذكوري على المرأة ووجوب تحييدها عن أية أعمال انتقامية. قلة قليلة ما زالت تذكر أن هذا اليوم وجد لدعم الحركات النسوية، ولتأكيد حقوق المرأة وتأييد مطالبها بالمساواة الحقيقية مع الرجل، وليس للدعوة لحقن دم النساء والتوقف عن انتهاك حقوقهن الأساسية، كما يحدث في سورية اليوم.