الصورة النمطية المتداولة عن المرأة اللبنانية هي ذاتها منذ سنوات: جميلة، متحرّرة الى أقصى الحدود، مدلّلة وتتعمّد لفت النظر إليها. ويكفي البحث عن كلمة «امرأة لبنانية» عبر محرّك البحث «غوغل» حتّى تظهر عشرات الصور لفنّانات وعارضات أزياء بتن يختصرن نساء لبنان. لكنّ الواقع يتناقض تماماً مع هذه المظاهر، ففي لبنان نساءٌ مناضلات يسعين إلى انتزاع حقوقهن في كل الميادين. كما هناك نساءٌ معنّفات وضعيفات يبحثن عن طاقة أمل للتحرّر الحقيقي من الظلم، ونساء أخريات يعانين من فقدان المساواة مع الرجل على صعيد الحقوق السياسية والمهنية، ما يعيق تقدّمهن في المجتمع. هذه كلّها نماذج لنساء لبنانيات لا يمكن تصنيفهن ضمن إطار الصورة النمطية ذاتها التي تعمّق عملية تهميش المرأة واستبعادها عن مواقع صناعة القرار. «تخلّف» في حماية حقوقهن منذ نحو سنتين، يشهد لبنان سلسلة من التظاهرات والوقفات الاحتجاجية المستمرة التي تطلقها الجمعيات الأهلية ومنظّمات المجتمع المدني للمطالبة بتحصيل حقوق المرأة اللبنانية، ومن أهمّها حقّها في إعطاء الجنسية اللبنانية لأولادها وإقرار قانون الحدّ من العنف الأسري، إضافة الى الكوتا النسائية وغيرها من المطالب. وهذه الاحتجاجات تُبنى على تاريخ طويل من نضال الحركة النسائية الهادف الى كسر الصورة التقليدية المُناطة بالمرأة اللبنانية ودفعها الى المطالبة بحقوقها البديهية. وتؤكد الناشطة والمديرة التنفيذية للمركز الدولي للتنمية والتدريب وحلّ النزاعات رويدا مروّة أنّ «مهمّة النضال في الشأن العام وقضايا حقوق الإنسان لا يشمل فقط القوانين، بل أيضاً الصور النمطية المنتشرة حول شكل المرأة ومضمونها». وتلفت مروّة الى أنّ المناضلات اللبنانيات يعانين من الصورة المسوّقة عبر وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والأجنبية للمرأة اللبنانية الجميلة والأنيقة، وذلك ليس لخجلهن من أنوثتهن بل لأنّ ذلك يظهرهن فارغات من الداخل. وتشدّد مروة على التناقض الحاصل واقعياً بين هذه الصورة وحقيقة التخلّف على صعيد حماية حقوق المرأة في لبنان، فهي تشير الى أنّ «حال التونسيات والمغربيات أفضل منّا في ما يخصّ مدوّنات الأسرة الضامنة لحقوق المرأة، وفي دول عربية عدّة تمنح المرأة جنسيتها لأولادها أو تحتلّ مراتب قيادية مهمة». وذلك على نقيض ما يحصل في لبنان، حيث تكون «وجوه النساء في البرلمان اللبناني دائماً بديلاً من نائب راحل»، وفق مروة. أمّا الحملات الاحتجاجية الحاصلة اليوم من جانب الناشطات النسائيات، فترى مروّة أنّها في تطوّر مستمر، وهي تتخلّى عن الشكل التقليدي للاعتصام والتظاهرة بالخطابات المطوّلة والشعارات واللافتات نحو إحداث ضجّة في المكان الذي تحصل فيه، ك «التطبيل على الطناجر» والرقص والغناء بهدف جذب انتباه الإعلام وتحريك الرأي العام. لكنّها تشير أيضاً الى أنّ الحراك، على رغم جديته، لم يحقّق أي مطلب نسائي بعد في لبنان، «فلا حماية للمرأة من العنف الجسدي والمعنوي واللفظي، ولا تعديل لقانون العقوبات في ما يخصّ عقوبة المغتصب والمتحرّش جنسياً. كما هناك انتهاكات جسيمة ما زالت المرأة تعاني منها في إجراءات الطلاق والحضانة وإجازة الأمومة». وترى الناشطة الحقوقية أن السلطات الرسمية غير مهتمة بحقوق المرأة، ف «مجلس النوّاب يقف متفرّجاً» والحكومة لم تقرّ أي آلية تنفيذية لحماية النساء، فيما تطغى الصراعات السياسية والطائفية على النقاشات الجادة حول المطالبات النسائية. ... وصولاً الى الإضراب عن الطعام لمواجهة حالة تسويف حقوق النساء اللبنانيات والتأجيل المستمر لإقرارها، تتّجه المنظّمات النسائية اليوم نحو التصعيد، خصوصاً أنّ لبنان شهد خلال شهر واحد فقط أربع جرائم أودت بحياة نساء على خلفية عنف أسري. فقد أكدت مؤسِّسة مجموعة «نسوية» نادين معوّض أنّ الناشطات سيعملن على إعلان إضرابهن عن الطعام في حال لم يُقرّ قانون الحدّ من العنف الأسري في 19 آذار (مارس) الجاري، حين تُعقد جلسة تشريعية في البرلمان اللبناني. وتشدّد معوض على المطالبة بإقرار القانون في صيغته الأصلية، أي من دون «التشويهات» التي قامت بها اللجنة النيابية الفرعية. أمّا السبب وراء لجوء الناشطات الى الإضراب عن الطعام تحديداً، فتفسّره معوض بأنّ «الطرق التقليدية ليست نافعة، ويجب تحريك الرأي العام في هذه القضية النسائية تحديداً كي يمارس الضغط على الطبقة السياسية». هذه التحرّكات النضالية التي تعلن عنها مجموعة «نسوية» وغيرها من المنظّمات النسائية، ترى فيها معوّض ردّاً على الصورة النمطية المسوّقة للمرأة اللبنانية، معتبرة أنّ الحريات التي تتغنّى بها النساء في لبنان «زائفة». كما تلفت الى أنّ وزارة السياحة تروّج دائماً لقالب معيّن من النساء من خلال إعلاناتها لجذب السياح للسهر والسياحة، لكنّ ذلك لا يعكس أبداً الواقع الذي يمكن اختصاره بأنّ لبنان من أكثر البلدان تخلّفاً في مجال حقوق المرأة. إلا أنّ معوض تبقى متمسّكة بالأمل، إذ أنّها تلاحظ نشوء جيل جديد من الشابات اللبنانيات المناضلات يعملن بحماسة للقضايا النسائية، ما يمكن أن يحقّق تطوّرات إيجابية في هذا المجال. الهمّ الإقتصادي أيضاً التحدّيات التي تواجهها النساء في لبنان لا تقتصر على هضم الحقوق الإنسانية فقط، إنما هناك واقع اقتصادي سوداوي تكشفه الأرقام. فوفق دراسة أعدّتها «دائرة الإحصاء المركزي» تحت عنوان «واقع المرأة في لبنان بالأرقام»، وهي الدراسة الأولى التي تبرز الإحصاءات الرقمية الخاصة بالمرأة، تبّين أنّ مشاركة النساء في الحياة الإقتصادية لا تتعدّى نسبة 23 في المئة، أي أنّ هناك 77 في المئة من النساء اللبنانيات غير ناشطات اقتصادياً. وذلك على رغم التحاق الفتيات بالمؤسسات التعليمية بنسب عالية، بحيث تتقارب نسبة النساء الجامعيات ونسبة الرجال الحاصلين على مستوى تعليمي جامعي. وحول هذه المشكلة، تقول مروة أنّ «التمكين الإقتصادي للمرأة مهمّ جداً لتحرّرها وتحريرها من القيود الاجتماعية، وليكون لها كيان أساسي خاص بها بصرف النظر عن الرجل الشريك». وتؤكد مروة أنّ الرقم مخيف، وهو يشير الى أنّ المرأة اللبنانية ما زالت بعيدة جداً من المشاركة في التنمية الإجتماعية والإقتصادية لوطنها. فهل يمكن المرأة أن تحصّل حقوقها الإجتماعية إذا لم تكن تتمتّع بالإستقلالية المادية أولاً؟ سؤال تواجهه المنظّمات الحقوقية اليوم، وهي الأكثر دراية بأنّ الطريق إلى تحرير المرأة لا يُختصر في حركة احتجاجية واحدة، إنما يحتاج الى سنوات من النضال والدعم من مختلف الفئات النسائية... لكي يخرجن من دائرة التبعية الاقتصادية والاجتماعية.