تحت تأثير الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها منطقة اليورو، أعلنت شركات فرنسية عن نيتها بيع فروعها في المغرب والقارة الأفريقية، وتركيز نشاطها داخل فرنسا وبعض الدول الأوروبية لمعالجة صعوباتها المالية ومواجهة خططها الاستثمارية التي تحتاج فيها إلى موارد مالية جديدة. يأتي ذلك عشية زيارة منتظرة للرئيس فرنسوا هولاند إلى المغرب مطلع الشهر المقبل. وأفادت شركة «فيوليا إنفيرونمنت» التي تدير خدمات الماء والكهرباء والصرف الصحي في العاصمة الرباطوطنجة وتطوان على البحر الأبيض المتوسط، بأنها وقعت مع المجموعة الاستثمارية البريطانية «أكتيس»، اتفاقاً مبدئياً للتخلي عن فروعها «ريضال» و «أمانديس» في المغرب، في صفقة قدرت قيمتها بنصف بليون دولار، وهي تنتظر موافقة الجهات الرسمية المغربية للخروج نهائياً من أسواق شمال أفريقيا. وكانت «فيوليا» حققت العام الماضي عبر فروعها الخدمية، أرباحاً قدرت بحوالى 400 مليون درهم. ديون متراكمة واعتبرت الشركة أنها ستحصل على عائدات مالية لتقليص ديونها المتراكمة والتركيز على أنشطة ذات فائض في القيمة ضمن خطة إعادة التوزيع الجغرافي. وهي مرتبطة بعقد مع السلطات البلدية يمتد 30 سنة في إطار التدبير المفوض للخدمات المنزلية، لكن الشركة واجهت انتقادات شديدة من المستهلكين بسبب ارتفاع الفواتير ورفع شعار «ارحل» الذي ارتبط بحراك «الربيع العربي». يذكر أن «فيوليا» هي الشركة الفرنسية الثانية التي تعلن بيع فروعها في المغرب بعد مجموعة «فيفاندي» التي قررت التخلي عن حصصها في «اتصالات المغرب» التي تقدر قيمتها بستة بلايين دولار تتنافس عليها «اتصالات» الإماراتية الأوفر حظاً، متبوعة ب «كيوتيل» القطرية واتصالات الكورية الجنوبية. وتم تقديم الأسباب نفسها للخروج من السوق المغربية، أي الحاجة إلى موارد مالية جديدة لمعالجة مشكلة الديون، والتوسع داخل فرنسا، والبحث عن أسواق ناشئة أخرى. وتحتاج «فيفاندي» إلى تجميع ما لا يقل عن عشرة بلايين يورو من فروعها في شمال أفريقيا وأميركا اللاتينية لتعزيز وجودها في منطقة اليورو التي تعيش على إيقاع الأزمة الاقتصادية والمنافسة الخارجية الشرسة. ويستغرب ملاحظون أن يعلن عن خروج شركات فرنسية عشية الزيارة الرسمية التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الشهر المقبل إلى المغرب، على رأس وفد كبير من الوزراء والسياسيين وكبار رجال الأعمال، لبحث قضايا ثنائية وإقليمية سياسية واقتصادية. «رينو - داشيا» ويعتبر المغرب أكبر شريك اقتصادي لفرنسا في مجموع جنوب البحر الأبيض المتوسط وشرقه، ويعمل فيه حوالى ألفي شركة في قطاعات عدة مثل المصارف والتأمين وصناعة السيارات والإسمنت، والسياحة والعقار والطائرات والملابس والاتصالات وغيرها. وتنفذ شركة «الستوم» الفرنسية شبكة سكك حديد للقطار الفائق السرعة «تي جي في»، والذي تقدر كلفته ب3 بلايين يورو، وكانت الشركة نفسها بنت خطوطاً للترامواي في الرباط والدار البيضاء بكلفة زادت على 1,5 بليون يورو. وأفادت مصادر فرنسية بأن مصانع «رينو - داشيا» في طنجة أنقذت صناعة السيارات الخفيفة في فرنسا بعد تراجع الطلب على السيارات الكبيرة بسبب الأزمة، وباعت «رينو» في سوق المغرب 46 ألف عربة حتى شباط (فبراير)، وهي ستنتج 400 ألف سنوياً بحلول عام 2015 باستثمار مغربي - فرنسي ناهز بليون يورو. واعتبرت المصادر أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين شهدت عصرها الذهبي في زمن الرئيسين السابقين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، اللذين يترددان كثيراً على المغرب ولهما مساكن خاصة في مراكش وتارودانت. ومرت العلاقة بين باريس والرباط ببعض البرودة بعد نتائج الانتخابات الرئاسية العام الماضي حيث كانت أطراف مغربية تناصر فريق ساركوزي اليميني الليبرالي. وكانت أصوات من اليسار الفرنسي طلبت من الشركات العاملة في الخارج العودة إلى البلد لتوفير فرص عمل للشباب العاطلين من العمل، والاستثمار داخل فرنسا للتغلب على تداعيات الأزمة الاقتصادية الأوروبية، ومعاودة النظر في خريطة الاستثمار الفرنسي في الخارج.