حسم رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور الجدل الدائر في المملكة منذ نحو عامين في شأن إمكان تفويض صلاحيات العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى البرلمان عبر إجراء تعديلات جذرية على الدستور المعمول به منذ عام 1952، رافضاً أن تعدل هذه الصلاحيات في نصوص الدستور، وذلك خلافاً لما تدعو إليه المعارضة، خصوصاً الإسلامية. وقال النسور رداً على سؤال ل «الحياة» في هذا الخصوص خلال لقاء تشاوري دعت إليه الحكومة أمس وضم عدداً محدوداً من الكتاب والصحافيين، إن «الملك سيبدأ بتفويض صلاحياته مختاراً إلى البرلمان المقبل خطوة بخطوة»، موضحاً: «لسنا جاهزين حالياً لتعديل صلاحيات الملك في نصوص الدستور لأن العملية الديموقراطية في الأردن لا تزال في بدايتها، والحياة الحزبية لم تكتمل بعد». وكان النسور أبلغ بعض القريبين منه أخيراً نية الملك «التنازل عن بعض صلاحياته طوعاً»، في إشارة إلى إمكان تكليف الغالبية البرلمانية تشكيل الحكومات المقبلة. لكن الرد على هذه التصريحات جاء سريعاً من الجبهة الأخرى، إذ اعتبر الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية للإخوان المسلمين) حمزة منصور أن المطالب المتعلقة بتعديل المواد 34 و35 و36 من الدستور هي مطالب أساسية «للتفاهم على شكل المرحلة المقبلة». وتمس هذه المواد صلاحيات الملك المباشرة في تكليف الحكومات وقبول استقالتها وحل البرلمان، وهي مواد قالت مصادر أردنية رفيعة المستوى ل «الحياة» إن «أطرافاً فاعلة داخل الدولة تمانع تعديلها تحت أي ظرف، سواء الآن أو في المستقبل». في السياق ذاته، أكد النسور أن المرحلة التي ستعقب إجراء الانتخابات المقررة في 23 الشهر الجاري «لن تحتوي أي مجابهة مع جماعة الإخوان» التي أعلنت مقاطعتها احتجاجاً على القانون الذي ستجرى على أساسه، ولعدم إجراء تعديلات دستورية إضافية من شأنها المس بصلاحيات الملك. وأشار إلى أن الملك عبدالله الثاني «يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى تحقيق الإصلاح المنشود، وهي الحال التي يسعى إليها الآخرون»، لافتاً إلى «ضرورة أن يجلس الجميع على طاولة الحوار لبحث القضايا الخلافية وتفاصيل المرحلة الجديدة في المستقبل القريب». وأعرب عن حزنه لإصرار «الإخوان» على قرار المقاطعة، مضيفاً: «لم نكن نرغب في الوصول إلى برلمان جديد من دون مشاركة الإسلاميين، فهم من أهم لوازم الحياة السياسية في البلاد». وفي ما يخص التظاهرات التي دعت إليها الجماعة اليوم في قلب عمان، قال: «نأمل بأن تكون هذه التظاهرات منظمة وألا تحتوي على مفاجآت»، مؤكداً أن الدولة ستوفر الحماية الكاملة للمشاركين فيها. لكنه رأى أن «جماعة الإخوان صعدت بأخطائها المتكررة إلى الشجرة ولم تستطع النزول عنها». وفي خصوص الانتخابات، شدد النسور على أن يوم الاقتراع «لن يشهد أي تدخل حكومي أو أمني أو عسكري»، معتبراً أن «محاولة العبث بالعملية السياسية المقبلة من شأنها أن تؤثر مباشرة في سمعة الأردن وصدقيته الشخصية». وكشف للمرة الأولى تحويل 16 قضية على المحاكم يواجه أصحابها تهم استخدام المال السياسي خلال الحملات الدعائية للانتخابات. ويرى سياسيون ومحللون أردنيون تحدثت إليهم «الحياة» أن البرلمان الذي ستنتجه الانتخابات المقبلة، ربما يكون «موقتاً» و»انتقالياً»، في محاولة لإعادة إنتاج المشهد السياسي بما ينهي الاحتقان المتصاعد ما بين مؤسسات الحكم المختلفة من جهة وقوى المعارضة الرافضة لمسار الإصلاح الحالي من جهة أخرى. يأتي ذلك فيما كشفت مصادر قريبة من مطبخ القرار ل «الحياة» عن توصيات رفعت إلى مرجعيات أردنية عليا من اجتماع داخلي عقد أخيراً في عمان وحضره رؤساء حكومات سابقون وسياسيون بارزون قريبون من النظام، تضمنت الدعوة إلى أن يكون البرلمان المقبل «انتقالياً»، وأن لا يكمل فترته الكاملة والمحددة له وفق الدستور ب 4 سنوات، وأن يعرض على «الإخوان» الدخول في مجلس الأعيان. لكن هذه التوصيات قوبلت وفق المصادر «برفض شديد من جهة أطراف فاعلة ومؤثرة داخل الدولة، في حين رأت فيها أطراف رسمية (سياسية) أخرى محاولة لإنهاء الأزمة التي تمر بها البلاد».