أن يدعو الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته طهران أول من أمس وأثناء اجتماعه مع مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي، الى تحالف رباعي بين سورية وإيران ينضم إليه العراق وتركيا، ثم أن يؤيده في ذلك خامنئي معتبراً أن تحالفاً كهذا مفيد للمنطقة، يدل الى أن الحراك الإقليمي لإيجاد صيغ من أجل التأقلم مع الوضع الدولي المستجد بسبب سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، بات يفرض على الدول التفكير بمعادلات تتحسب للمرحلة المقبلة، تقوم على إبقاء كل منها على تحالفاتها السابقة بموازاة التفتيش عن تغييرات في السياسات القديمة. فزيارة الأسد طهران أكدت استمرار متانة التحالف الإيراني - السوري على رغم ظهور بعض التعارضات في سلوك كل منهما في عدد من الملفات منها العراق وعملية السلام مع إسرائيل. فالدولتان والقيادتان ما زالتا تحتاجان بعضهما الى بعض حتى لو كان التحدي المطروح على كل منهما مواكبة ما يترتب عن السياسات الأميركية الموعودة التي تشمل الانفتاح والانخراط في الحوار والتفاوض، والضغوط أحياناً... بدلاً من المواجهات المفتوحة والحروب التي سادت سياسة الإدارة الأميركية السابقة وحكمت الأوضاع على الساحة الدولية قاطبة. وفي انتظار انفتاح الخطوات العملية لإدارة أوباما، سواء على صعيد عملية السلام في الصراع العربي – الإسرائيلي، أو على صعيد الملف النووي الإيراني، فإن معظم الدول المعنية في المنطقة تسعى الى الإبقاء على جميع أوراقها في يدها. ولهذا يتزاوج الحديث عن استمرار التعاون بين إيران وسورية لدعم حركات المقاومة في المنطقة، مع حديث الرئيس الأسد والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن أن «أبواب المجتمع الدولي ستكون منفتحة أمام سورية وإيران أكثر مما كانت في السابق» كما قال الأول، وعن أن «عالم اليوم أدرك أنه في حاجة الى تعاون سورية وإيران ودعمهما»، كما قال الثاني. وتشكل فكرة الانتقال بالتعاون الرباعي القائم حالياً، بين إيران وسورية وتركيا والعراق الى التحالف، واحدة من أساليب التكيّف مع ما هو آت من تطورات. فبين الدول الأربع صيغ تعاون كرستها الممارسة خلال السنوات الماضية وتحديداً منذ الاحتلال الأميركي للعراق، تقوم على مصالح مشتركة في التعاطي مع موضوع الأكراد في هذه الدول، في الدرجة الأولى. وتقوم أيضاً على فكرة تقديم الخدمات الأمنية المتبادلة وعلى تبادل الخدمات السياسية لمصلحة الدور الإقليمي لكل من هذا الرباعي، فتستفيد إيران من تركيا كقناة مع الأميركيين والغرب ومن العراق وسورية من أجل توسعها الإقليمي، ويستفيد العراق من الدول الثلاث الأخرى من أجل دعم حد أدنى من الاستقرار وتستفيد سورية من إيران من أجل تعزيز أوراقها التفاوضية مع الغرب، وفي الساحتين الفلسطينية واللبنانية، وتقوية موقعها حيال الدول العربية الأخرى، ولا سيما مصر والسعودية ومن تركيا لضمان المزيد من الاستقرار في داخلها وعلى حدودها، ومن أجل أن تؤمّن ظهرها من إسرائيل عبر دور أنقرة الوسيط بينها وبين الدولة العبرية. لقد احتمل التعاون الرباعي بين الدول الأربع وجود التعارضات في السياسات حيال عدد من القضايا الإقليمية، وربما يكون الارتقاء الى التحالف وسيلة للتخفيف من هذه التعارضات عند الاستحقاقات التي تفرض على كل منها الدخول في تسويات أو صفقات مع الغرب والولايات المتحدة. وقد يساعد هذا التحالف على أن تكون التسوية شاملة بدلاً من أن تكون مجتزأة وتمس مصالح أحد أطراف هذا التحالف لحساب آخر. وفي إمكان تركيا أن تلعب دور «بيضة القبان» في عملية كهذه. إلا أن هذا التحالف الرباعي الإقليمي، مثل التعاون الحالي القائم بين أطرافه، يستثني دولاً فاعلة في المنطقة لها أدوارها في الملفات الإقليمية المطروحة على الدول الأربع، أهمها مصر والسعودية، وهو يصبح وسيلة لتجاهل أدوار الدولتين وتأثيرهما المحوري في هذه الملفات ويجعل من التسويات والصفقات في شأنها منقوصة. فهل إنَّ تحالفاً رباعياً من النوع الذي تحدث عنه الجانبان الإيراني والسوري يلغي مبرر المصالحات العربية التي انطلقت قبل بضعة أشهر تحت شعار إمساك العرب بقضايا العرب؟