يراقب مستثمرون من العالمين العربي والإسلامي وروسيا، وحتى من العالم الصناعي، الاجراءات والقواعد التي ستُعتمد في تتبع التهرب الضريبي الذي تؤمنه «الجنات الضريبية الآمنة» في العالم، والتي تقدر قيمة الودائع فيها بأكثر من 11.5 تريليون دولار. في حين افاد خبراء قانونيون بأن قوننة الانظمة المالية في هذه الجنات قد يستغرق سنوات. وبدأ القيمون على المصارف الاسلامية، خصوصاً في الشرق الاوسط يعيدون تقويم مستقبل استثماراتهم في ماليزيا التي ورد اسمها في اللائحة السوداء لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. ومنذ قمة دول العشرين الاولى بعد الازمة المالية، التي انعقدت في واشنطن، منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي طلبت الولاياتالمتحدة من السلطات المختصة وضع تدابير اضافية لحماية النظام المالي العالمي قضائياً، خصوصا ما يتعلق بالدول والاقاليم غير المتعاونة التي يُشك في وجود أنشطة مالية غير مشروعة تمارس على أراضيها. وحتى انعقاد القمة الثانية في لندن الخميس الماضي اقتصر الاجراء على نشر منظمة التعاون والتنمية اسماء الدول غير المتعاونة في مكافحة التهرب الضريبي، غابت عنها اسرائيل وانظمة مصرفية عربية وهونغ كونغ وماكاو وقبرص وغيرها من مراكز تعتمد السرية المصرفية. وتضمنت لائحة غير المتعاونين 4 دول هي الفيليبين وكوستاريكا واورغواي وماليزيا التي فيها الحصة الكبرى من استثمارات المصارف الاسلامية. وفي العالم ما يزيد على 120 مركزاً اساسياً لإيداع الأموال بسرية تامة يخضع بعضها لاستقلال ذاتي على رغم تبعيته لدول كبرى اعضاء في مجموعة العشرين وفي طليعتها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا. وباستثناء سويسرا، اكبر الدول التي تُطبق نظام السرية المصرفية، تُعتبر جزر الباهاماس من المناطق الاولى والاكبر التي تضمن مصارف مختلفة، بعضها يرتبط بمصارف وشركات كبرى مسجلة في العالم الصناعي او دول مجموعة العشرين. كما ان جزر كايمن وبرمودا والجزر العذراء وجبل طارق وغيرينسي ولوكسمبورغ وبناما حيث تم تسجيل شركات تأمين وناقلات نفط وشركات تأمين فرعية لا تزال خارجة عن نطاق التدقيق والبحث. ويقول البروفسور ايان رامسي استاذ القانون الدولي في جامعة ملبورن وأحد المتخصصين بمتابعة قوانين السرية المصرفية «ان اعادة صياغة القوانين في هذه المراكز المالية تستغرق سنوات او عقود كما يستدعي الامر اعادة قوننة تشريعات في الدول الصناعية وتسجيل الشركات والشركات الفرعية». ومتابعة الأموال، التي تدخل عبر هذه المراكز ليست بالأمر السهل، ففيها من الغموض والإثارة ما يكفي. وقد استخدمت على مدى السنوات العشرين الماضية في نقل الاموال المنهوبة من دول الاتحاد السوفياتي السابق ومن العراق ويوغوسلافيا، واستخدمتها مرات عدة وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية لتمويل عمليات ضد انظمة معادية للغرب كما يجري فيها تبييض اموال المخدرات وتجارة الرقيق وتجارة الاسلحة اضافة الى عمولات الصفقات التي يتقاضاها مسؤولون في العالم الثالث عن عقود عملاقة. وتُقدر وزارة الخزانة البريطانية ان الخسائر الناجمة عن التهرب الضريبي في الجنات الضريبية بنحو 250 بليون دولار. ما يعني ان ثمة صلة غير مباشرة بين ما يجري في هذه الملاذات الضريبية الآمنة وما جرى في اسواق العالم من ازمات مالية. وكانت دول مجموعة العشرين تعهدت في قمة لندن بملاحقة ظاهرة «الجنات الضريبية» وبعد انتهاء قمة لندن اعلنت منظمة التعاون «لائحتها السوداء» التي ضمت الدول الاربع. أما البلدان، التي كانت عادة في طليعة المستهدفين في اطار التهرب الضريبي، فأدرجت على لائحة ثانية لبلدان قطعت تعهدات لكنها لم تطبقها بشكل «جوهري» بعد. وتتضمن هذه «اللائحة الرمادية» بصورة خاصة موناكو وليختنشتاين وسويسرا ولوكسمبورغ. وعمدت دول وجهت اليها الاسرة الدولية اصابع الاتهام بشأن التهرب الضريبي في الاسابيع الماضية الى اعطاء ضمانات بحسن نياتها لتجنب ان تدرجها منظمة التعاون على اللائحة «المحدثة» التي كانت الدول الكبرى تطالبها بإصدارها.