جمعية الذوق العام تنظم مبادرة "ضبط اسلوبك" ضمن برنامج التسوق    مستقبل غزة ومصير الهدنة يتصدران المباحثات    تحت 6 درجات مئوية.. انطلاق اختبارات الفصل الدراسي الثاني    السعودية تعرب عن دعمها الكامل للإجراءات التي اتخذها لبنان لمواجهة محاولات العبث بأمن مواطنيه    مصرع 15 شخصًا في تدافع بمحطة قطارات في الهند    "الإحصاء" التضخم في المملكة بلغ 2.0%    استعدادات لإطلاق مؤتمر العلا للأسواق الناشئة    الذكاء الاصطناعي ودور المترجم البشري    "كبدك" تقدم الرعاية لأكثر من 50 مستفيدًا    أمطار رعدية وسيول في عدة مناطق    قمة «IAAPA» في الرياض.. مركز عالمي للوجهات الترفيهية    مرموش.. صاحب أسرع هاترك عربي في البريميرليج    الجبير: التحديات البيئية والتغير المناخي يؤثران على جميع نواحي الحياة بما فيها الأمن والاستقرار العالمي    وزير الدفاع يستعرض العلاقات وأوجه التعاون الإستراتيجي مع نظيره الأمريكي    دبلوماسية ولي العهد توحد العرب والعالم    جدد رفضه المطلق للتهجير.. الرئيس الفلسطيني أمام القمة الإفريقية: تحقيق الأمن الدولي يتطلب دعم مؤتمر السلام برئاسة السعودية    وزير الرياضة يتوّج «رولاند» بلقب الجولة الرابعة من سباق جدة    الشنقيطي: سنستمر في الصدارة    في ختام الجولة 20 من دوري روشن.. الاتحاد يعزز صدارته ل " روشن" برباعية الوحدة    رسميا.. الهلال يطالب بحكام من النخبة لإدارة مبارياته    في كأس آسيا للشباب المقامة بالصين.. الأخضر الشاب يواجه العراق لتعزيز الصدارة    السجن والإبعاد لمقيم بتهمة التستر في التموينات    قائمة المدعوين ل«الحوار السوري» تثير الجدل    انتقلت إلى رحمة الله في المنامة وصلي عليها بالمسجد الحرام.. مسؤولون وأعيان يواسون أسرتي آل زيدان وآل علي رضا في فقيدتهم «صباح»    فخ المقارنة.. خطر إلكتروني على الطلاب    الأرصاد: الأجواء معتدلة في رمضان    23 ألف مخالف في قبضة الأمن خلال أسبوع    عدم تعمد الإضرار بطبيعة المنطقة والحياة البرية.. ضوابط جديدة للتنزه في منطقة الصمان    استمع إلى شرح موجز عن عملهما.. وزير الداخلية يزور» الحماية المدنية» و» العمليات الأمنية» الإيطالية    «نبتة مصاص الدماء» تزهر في روسيا    فحص يتنبأ بخطر السرطان بدقة 90%    جبال السعودية حصن فلسطين    فجوة الحافلات    التحالف الإسلامي العسكري نموذج يحتذى    تحول الإعلانات إلى قوة ناعمة    لونك المفضل.. يكشف مهنيتك في العمل    ظهور الدلافين قرب شواطئ «رأس محيسن» بمنطقة مكة المكرمة    تآلف الفكر ووحدة المجتمع    «ليب».. أحلام تتحقق    إيلون المجنون يغضب منافسه ألتمان    تكساس تشهد أسوأ تفش للحصبة    عبدالعزيز بن سعود يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    تسويق السياحة السعودية    برعاية محافظ الزلفي: تعليم الزلفي يحتفي بيوم التأسيس    "أبواب الشرقية" إرث ثقافي يوقظ تاريخ الحرف اليدوية    843 منافس في مسابقة شاعر الابداع بعنيزة    قصة الدواء السحري    قصة نجاة في الصحراء !    بينالي الفنون الإسلامية    احتمالات اصطدام الكويكب 2024 YR4    عيد الحب: احتفاء بالمعنى الأزلي للحب    الحيوانات تمرض نفسيا وعقليا    الذوق العام تطلق مبادرة "ضبط أسلوبك" بالتزامن مع تسوق شهر رمضان المبارك    مفتاح حل المشاكل    الشام وخطوة الاتصال اللحظي أو الآني    عبدالعزيز بن سعود يزور وحدة العمليات الأمنية المركزية الإيطالية    أمير الباحة يعزّي الزهراني بوفاة ابنه    في يوم النمر العربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوار السوريّ يمنعه انتماء السلطة الى محور اقليمي متصلّب
نشر في الحياة يوم 11 - 03 - 2013

كانت مبادرة الشيخ معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة السوريّة، للحوار مع من لم تتلوّث أيديهم بالدماء من أجل نقل السلطة، لاقت موجة من الرفض في بعض أوساط المعارضة، وكان من الواضح أنّ هناك من الانتقادات التي سيقت ما هو صائب، ومنها ما يبدو انفعاليّاً وغير مدروس بما يكفي. إلّا أنّ الملفت للانتباه بين وجهات النظر المعترضة واحدة عكست مزاجاً عصبيّاً رافضاً للحوار من أصله. وهو ما يتناسب مع التجذّر الذي طبع الثورة بطابعه كردّ فعل على دمويّة النظام، وقد تمّ التعبير عنه في تسمية أحد أيّام الجمع «لا للحوار».
وامتازت وجهة النظر هذه بتقديمها، بوضوح، عناصر خطاب عدميّة سياسيّة لا يقلّل من سلبيّتها أنّها ردّ فعل على عدميّة النظام، كما ظهر أنّها تعاكس معنى الثورة السوريّة الديموقراطيّة التي بشّرت بانفتاح السياسة وأساليبها بعد طول إغلاق ومنع. أبعد من ذلك، أظهرت استعادة العدميّين الحجج نفسها التي قُدّمت في مواجهة هيئة التنسيق الوطنيّة للاعتراض على مبادرة الخطيب، فقدانهم العلاقة مع التغييرات الجارية في البلد، ومنها تنامي المكوّن العسكريّ في الثورة، وتحوّله إلى سلطة أمر واقع على مساحات متزايدة. وهو ما يفترض الانتقال من ردّ الفعل السياسيّ إلى الفعل والمبادرة، وإدراك تغيّر النتائج المتوقّعة من الحوار إن حصل، فالمتوقّع من السياسيّ حساسيّة عالية تجاه التحوّلات للاستفادة منها، فما بالك بمن انتقل من موقع المعارض الذي يطالب بالاعتراف به إلى ممثّل إحدى السلطتين الفعليّتين في سورية.
بكلام آخر، تفترض التغيّرات على الأرض من أوساط «المعارضة» أن تمتلك الوعي الكافي لإدراك أنّ الحوار الذي كانت نتائجه المتوقّعة في بداية الثورة إفساح المجال أمام النظام للمناورة وإشاعة الاسترخاء داخليّاً وخارجيّاً للاستفراد بالثورة وسحقها، أصبح بعد سيطرة الجيش الحرّ على مناطق واسعة يؤدي إلى انتزاع مكتسبات ليس أقلّها – إن حصل، وأحسنت المعارضة إدارته - إطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين، الذين ستشارك غالبيتهم في العمل الثوريّ المدنيّ، ووقف قصف المدن والبلدات المحرّرة، فيُتاح لها البدء في عمليّة بناء مؤسّساتها. هذا إذا وضعنا جانباً أنّ أيّ تسوية ممكنة لا تستطيع بعد اليوم تجاوز مطالب ممثّل سياسيّ لطرف يسيطر على مناطق واسعة، ويحوز على شعبيّة كبيرة في الكثير من المناطق التي يسيطر عليها النظام.
مع العلم أنّه من العسف والتسرّع افتراض أنّ كلّ من يرفض الحوار لا يدرك المتغيّرات وما تفتح عليه من إمكانات، فهناك من يرفض الحوار، مع معرفته بالمتغيّرات، لعدم ثقته بأنّ القوى السياسيّة والعسكريّة للثورة بمقدورها بناء نموذج مغرٍ في مناطق سيطرتها، ومن البدهيّ أنّ الفشل في هذا الصدد سينعكس على المجتمع السوريّ نفوراً من البديل الذي خذلهم. أيضاً هناك من يجد أنّ اتساع دائرة العنف هو سبيله لزيادة شعبيّته، ومفتاحه للسيطرة، ومثل هذا لا ينحصر في القوى الراديكاليّة من المكوّن العسكريّ فقط، بل في بعض من ينتمون إلى قوى سياسيّة صغيرة تجد في محاكاة الغضب الشعبيّ الناتج من دمويّة النظام فرصتها لزيادة شعبيّتها وتوسيع دورها. ولعلّ هناك في ما يقولونه شبهة بأنّهم يخشون من أنّ إطلاق عمليّة سياسيّة في ظرفهم الراهن قد يؤدّي إلى توزيع أدوار مبكّرة استناداً إلى حجم القوى وتأثيرها، ما يضعف دوراً اكتسبوه على أساس الفرز بين مؤيّد للحوار ورافض له في مراحل الثورة الأولى.
في المقابل، ينتمي المنحازون لطرح الحوار، إلى مواقع سياسيّة وفكريّة متباينة، منهم من يتشارك مع النظام في أفكار أو حساسيّات، ومنهم من يخشى من المكوّن العسكريّ بوضعه الراهن والنفوذ الإسلاميّ الراديكاليّ المتنامي فيه، ومنهم من لم يقنعه ما تمّ من محاولات للتنظيم في مقابل فوضى واسعة النطاق ما زالت معمّمة في المناطق المحرّرة. وإضافة إلى هؤلاء وغيرهم هناك من يدافع عن الحوار كمنهج تفكير لا يقطع مع حقّ الناس بمقاومة القهر والطغيان، ولكنّه يجده سبيلاً أصيلاً لتحصيل الحقوق، ويعتقد أنّ أهميّته تتعدّى الفترة الراهنة إلى ضرورة تعميمه ثقافة لدى ثوّار وجمهور سيكون عليهم إيجاد حلول لمشكلات بينهم ليست بالقليلة. وأصحاب هذا الرأي مهجوسون بالبناء، في الوقت الذي يفرض عنف السلطة الحاكمة الانشغال بالهدم، ولا يسوءهم اتهامهم بأنّهم إصلاحيّون، أو ممثّلون عن الطبقة الوسطى الفزعة من الثورة (في الواقع الكثيرون منهم هم ممّن شاركوا فيها منذ بداياتها).
ويعلم أصحاب منهج الحوار أنّ له شروطاً ومساراً ونتيجة تنتمي إلى المستوى السياسيّ للصراع الجاري، ويعلمون أيضاً أنّ تصلّب السلطة الحاكمة، وانتماءها إلى محور إقليميّ متصلّب، هو السبب الرئيس لغياب إمكانيّة الحوار حتّى الآن، ويعتقدون أنّه في سياق الصراعات تجرى تغيّرات من المفترض على أصحاب القرار إدراكها والتفاعل معها، والتقاط انعكاسها على الاحتمالات السياسيّة. وهو ما يعني عندهم أنّ من واجب أصحاب القرار في المعارضة أن يقلّبوا كلّ يوم إمكانيّة أن يكون الوقت قد أصبح مناسباً لتحصيل المكاسب، وفتح باب التاريخ السياسيّ، أمام الشعب السوريّ، من دون المزيد من الخسائر، أي أن تفكّر المعارضة من موقع الدولة الوطنيّة بعد أن ثبت أنّ السلطة الحاكمة لا تفعل. ويترقّب أصحاب منهج الحوار المرحلة التي سينتقل فيها الصراع في شكل كامل، ومن الطرفين، إلى حرب أهليّة طائفيّة بعد أن فعل النظام ما بوسعه للوصول إليها. ويعتقدون أنّ كفّة تقسيم البلد حينها ستكون أكثر رجحاناً، وأنّ القدرة على المصالحة الوطنيّة ستصبح أبعد منالاً، وأنّ مكتسبات طرح الحوار من قبل المعارضة، بعد التطوّرات التي حصلت، تتضمّن تجاوز انغلاق تفكير بعض أطرافها على متابعة إمكانية تلقّي الدعم الدوليّ من عدمها، إلى مستويين سياسيّين داخليّين لا غنى عنهما للمكوّن المدنيّ الديموقراطيّ.
فطرح الحوار يساهم في استعادة المعارضة حيويّة سياسيّة بدا لفترة أنّها فقدتها، ما يفعّل مهمّة بناء مؤسّساتها، واستعادة اللغة اللازمة لولادة ثقافة مدنيّة ديموقراطيّة شاع الإحباط أخيراً من أن يكون الأمل بتحقّقها من ضحايا الحرب. وكلا الأمرين (المؤسّساتيّ والثقافيّ) لازم لاسترجاع المكوّن المدنيّ الديموقراطيّ بعض دوره. ولكلّ ما سبق، استنكر الحريصون على الحوار، كثقافة وفاعليّة سياسيّة، بشدّة، رفض بعض السياسيّين طرحه كفكرة واحتمال، بصرف النظرّ عن إمكانيّة تحقيقه اليوم أو بعد حين، مع السلطة الحاكمة أو مع مؤيّديها بعد سقوطها.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.