فتيات ائتمنهن الله على التائهين من ضيوفه، فكن بوصلة الاتجاهات في رؤى من ليس لديه مؤشر، فاستشعرن ثقل الأمانة وتحملن مسؤوليتها، متكبدات لأجلها عناء الحج ومفارقة الأهل والمشقة، راغبات بذلك في ما عند ربهن دون مقابل من خلقه. 86 فتاة وسيدة يعملن على مدار ال24 ساعة في رعاية الأبناء التائهين، يسهرن الليل لراحتهم، ويتسابقن في النهار لتوفير متطلبات إعاشتهم وضيافتهم، جئن من مناطق المملكة كافة برغبة التطوع، ويحدوهن عمل الخير في أطهر بقاع الأرض. مرشدات المملكة العربية السعودية ذلك هو مسماهن في برنامج ضيوف الرحمن، كما أوضحت مديرة مرشدات البرنامج مها فتيحي، وأن برنامجهن يعتمد في المقام الأول على التطوع ورعاية التائهين من أطفال الحجاج، مبينة أن عددهن تجاوز 86 فتاة من المرشدات والقائدات من مناطق المملكة كافة. وتشير فتيحي خلال حديثها إلى «الحياة» إلى أن مسيرة البرنامج امتدت خمسة أعوام، وانطلقت منذ العام 2009، إذ تم تدشينها في شكل رسمي في العام 2010 بمساعدة وزارة التربية والتعليم، لافتة إلى أن عدد المشاركات في البرنامج على مدار الأعوام الخمسة بلغ 700 فتاة متطوعة في الحج، ويضم البرنامج مركزين للإيواء والمساعدة في منى وعرفات. وتؤكد مها فتيحي أنها سعت ضمن مجموعة من زميلاتها إلى ترسيخ عمل البرنامج عبر الأعوام الماضية في احتواء الأطفال التائهين، إذ إن العلاقة بين المرأة والطفل أقرب منها إلى الرجل، مشيرة إلى أنه في السابق كانت الجمعيات الخيرية تتولى مهمة إيواء الأطفال التائهين في الحج، ويتم تسجيلهم ومعاملتهم كلقطاء فيما لا يزال أهالي الأطفال على قيد الحياة. وتضيف: «تم إرشاد 222 طفلاً على مدى خمسة أعوام، وبلغ عدد الأطفال التائهين هذا العام حتى يوم 10 ذو الحجة 50 طفلاً، وتمت إعادة الأطفال التائهين كافة إلى ذويهم حتى لو كلف الأمر إيصالهم إلى منازلهم بمركبات المركز، ويعمل المركز من اليوم السابع ذي الحجة وحتى 13 ذو الحجة». وتوضح أن رؤية المركز تهدف إلى غرس ثقافة التطوع لدى الفتيات السعوديات، وأن تكون الفتاة السعودية نموذجاً للعطاء الإسلامي والهوية الصحيحة التي تعتمد على التطوع ومساعدة الآخرين، وذات مسؤولية عالية، منوهة بأن المتطوعات يعملن في مجالات أخرى على مدار العام، إذ منهن معلمات في سلك التعليم العام، أو الجامعي، إضافة إلى الطبيبات وطالبات المدارس اللاتي تقل أعمارهن عن 16 عاماً. وبينت أن أعمار المشاركات في البرنامج تتراوح ما بين 15 عاماً وحتى 60 عاماً، يعملن كمرشدات وقائدات، مضيفة: «ما زالت ثقافة التطوع لدينا في السعودية قليلة، إذ إن البرامج التطوعية في الدول خارج السعودية تنتشر بينها ثقافة التطوع، وحب العمل ومساعدة الآخرين، والنفس البشرية عندما تحب العطاء والمساعدة ستظل حريصة على ممارستها في كل مجال». من جهتها، أوضحت المتطوعة أسيل عبدالجواد أن العيش في مكةالمكرمة والمشاركة في مواسم الحج والعمرة، لابد أن تضيف إلى العاملين في تلك المواسم حب العمل التطوعي، والمشاركة في الأعمال الجماعية المنظمة. وتروي عبدالجواد البالغة من العمر 16 عاماً أن العمل في موسم الحج فرصة عظيمة لكسب الخير وفنون التعامل مع الناس بشتى ألوانهم ولغاتهم، إذ إن ستة أيام يقضيها الإنسان في العمل في الحج كفيلة بأن تنمي قدراته في التواصل مع الآخرين. وتبين أنها عملت مرتين على التوالي في موسم الحج كمرشدة في برنامج ضيوف الرحمن لخدمة الأطفال التائهين، ما أكسبها خبرة ممتعة في مجال العمل التطوعي والحرص على مساعدة الآخرين، مشيرة إلى أن عمل الحج التطوعي يختلف عن بقية الأعمال وذلك لارتباطه بعبادة الحج وخدمة ضيوف الرحمن في أطهر البقاع. وتضيف أسيل: «أدرس في الصف الثاني ثانوي، وأكسبني العمل التطوعي في الحج ضمن برنامج المرشدات الحرص على توثيق المعلومات الرئيسة والمهمة في حياتنا، وضرورة تعليم أطفالنا تلك المعلومات التي تحتوي على العناوين والأرقام المهمة». وتدعو إلى ضرورة المشاركة والتطوع في العمل الجماعي المنظم، إذ إن التطوع يكون في شتى المجالات ولا يقتصر على نشاط واحد، مؤكدة أن العمل الخيري والتطوع في الحج من خير الأعمال التطوعية على الإطلاق. وتنوه بضرورة الحرص على الأطفال أثناء تأدية الفريضة وعدم الإغفال عنهم، إضافة إلى ضرورة الحرص على تعليمهم المعلومات الرئيسة اللازمة مثل أرقام الهواتف والعنوان والأماكن التي توجد فيها العائلة دائماً في حالات الطوارئ، مضيفة: «من المشكلات والمعوقات التي تواجهنا اختلاف اللغات واللهجات، وجهل الكثير من الأطفال بالمعلومات الرئيسة عن أهاليهم».