ثبتت محكمة جنايات بورسعيد أمس حكم الإعدام على 21 متهماً في القضية المعروفة إعلامياً ب «مذبحة بورسعيد» التي وقعت في شباط (فبراير) العام الماضي وسقط خلالها 72 شخصاً خلال مباراة لكرة القدم، وأصدرت أحكاماً بالسجن لمدد متفاوتة بحق متهمين آخرين بينهم ضابطا شرطة، لكنها برأت سبعة آخرين من قيادات الشرطة المتهمين. وعاقبت المحكمة بالسجن المؤبد خمسة متهمين وحكمت بالسجن المشدد لمدة 15 عاماً على عشرة متهمين، أبرزهم مدير أمن بورسعيد السابق اللواء عصام الدين سمك والعقيد محمد سعد الذي كان يتولى مسؤولية تأمين بوابات استاد بورسعيد في يوم الحادث. وتضمن الحكم معاقبة 6 متهمين بالسجن لمدة 10 سنوات، ومتهم واحد بالسجن لمدة عام واحد مع الشغل، فيما برأت المحكمة 28 متهماً، بينهم 7 من مسؤولي الأمن السابقين في بورسعيد. ورغم أن الأحكام هي الأشد في قضايا القتل الجماعي منذ اندلاع الثورة، إلا أنها لم تلق رضا كل الأطراف، فاعترضت عليها روابط مشجعي النادي الأهلي، معتبرة أنها «سارت على النهج السابق في تبرئة القيادات الشرطية، وعدم كشف مخططي عملية القتل». وأعلن النادي الأهلي أنه سيطعن على الأحكام، فيما شكت روابط مشجعي النادي المصري البورسعيدي «الغبن الذي يقع علينا»، مشيرة إلى أن أحد المحكومين على سبيل المثال قدم أدلة على عدم وجوده وقت حدوث الجريمة. وانتقد منسق «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة محمد البرادعي الحكم ضمنياً، وقال عبر حسابه على موقع «تويتر»: «في انتظار حيثيات الحكم لنعرف العقل المدبر لمذبحة بورسعيد حتى نفهم حقيقة ما يدور في مصر، ونرجو ألا يكون اللهو الخفي الذي يطاردنا منذ عامين». وسعت السلطات إلى تهدئة الأجواء، وأكدت أن الحكم «ليس نهائياً، ويمكن لجيمع الأطراف الطعن عليه أمام محكمة النقض». وأكد الناطق باسم النيابة العامة حسن ياسين أنها «فور تسلمها أسباب الحكم، ستعكف على دراستها وفحصها، لبيان ما إذا كان الحكم بكامل تفاصيله وأجزائه يتفق مع صحيح حكم القانون وواقع الأدلة المقدمة ضد المتهمين في الدعوى من عدمه»، مشيراً إلى أنه «إذا تبين أنه يتفق ويتماشى مع صحيح القانون وقوة الأدلة المقدمة إلى المحكمة بحق المتهمين جميعاً، فإن النيابة لن تطعن عليه أمام محكمة النقض، أما إذا كان الحكم مخالفاً للقانون في بعض الجوانب أو لا يتفق مع طبيعة الأدلة، فإن النيابة ستتخذ حينها قرارها بالطعن بالنقض». وكانت المحكمة برئاسة القاضي صبحي عبدالمجيد خالفت بعض التوقعات بأن تلجأ إلى إرجاء جلسة النطق بالحكم، بعد تأخر تقرير مفتي الجمهورية عن المحكومين بالإعدام. وأكد مصدر قضائي أن الحكم الصادر أمس «نهائي ومشمول بالنفاذ المعجل، ويتم تنفيذ أحكامه فور النطق به مباشرة، سواء بالإدانة أو بالبراءة». وأوضح أن «إصدار المحكمة لأحكامها من دون تقرير المفتي يعد حكماً صحيحاً، إذ أن القانون أعطى للمفتي الذي يعد رأيه استشارياً وغير ملزم للمحكمة، مهلة حدها الأقصى 10 أيام للرد على المحكمة، ومن ثم للمحكمة الحق في إصدار أحكامها التي أصدرتها». وعقدت المحكمة جلستها في مقر أكاديمية الشرطة في القاهرة تحت حراسة أمنية مشددة وفي أجواء مفعمة بالتوتر والقلق. واقتصرت الجلسة على تلاوة رئيس المحكمة الأحكام بحق المتهمين ال74 الذين جرت محاكمة 62 منهم حضورياً، بينما صدرت الأحكام غيابية لباقي المتهمين. واقتصر حضور الجلسة على محامي الدفاع والمحامين المدعين بالحقوق المدنية ومندوبي الصحف. ويحق للنيابة العامة وللمدانين جميعاً الطعن على الحكم أمام محكمة النقض، ما من شأنه وقف تنفيذ الأحكام مع استمرار حبس المحكومين إلى حين الفصل في الطعن. وتباينت ردود الفعل على الحكم بين اشتراك في الغضب بين روابط مشجعي النادي الأهلي القاهري والمصري البورسعيدي، ومحاولات للتهدئة من قبل النخبة والحكم. وأصدرت روابط «ألتراس أهلاوي» بياناً قالت فيه: «بعد الحكم بإعدام 21 متهماً نصفهم من المسجلين خطر المشاركين في المذبحة، تبقى القصاص من العنصر الأهم وهو العنصر المدبر والأخطر في القضية»، مشيرة إلى قيادات وزارة الداخلية «ومن ورائهم المدبرون للمجزرة بجميع تفاصيلها». وأضافت: «كنا نعتبر إدانتهم في شكل كامل السبيل الوحيد للوصول إلى رأس المجزرة ورأس الفتنة الحر الطليق، لكن بعد أحكام البراءة لأكثر من نصف المتهمين من (...) الداخلية نعتبر هذا بكل وضوح تشويشاً على عناصر معينة متهمة طالبنا بمحاسبتها من قبل، لذلك لن نقبل بالتهدئة من قبل النظام الحالي الحاكم والحامي للداخلية و(قادة) المجلس العسكري المعزولين». وشددت على أن «ما يحدث الآن في القاهرة هو بداية الغضب وانتظروا المزيد إذا لم يتم كشف كل العناصر المتورطة في المجزرة، ولن نرضى فقط بالاحكام على المآجورين والمجرمين المنفذين واثنين فقط من (قيادات) الداخلية». من جانبها، دعت «الجماعة الإسلامية» جميع الأطراف في قضية بورسعيد إلى «احترام الأحكام القضائية واتباع الآليات القانونية بالطعن على هذا الحكم، والتمسك بأن يكون الفصل بين المتخاصمين هو القضاء المصري في المستقبل». وطالبت ب «طي هذه الصفحة الحزينة وفتح صفحة جديدة بعيدة من مرارات الماضي المنهي عنه شرعاً وديناً». وناشدت جميع الأطراف «ألا يسمحوا لأحد بأن يوظف هذه القضية بإشعالها مرة أخرى بعد الحكم فيها، فذلك يخدم الثورة المضادة والفلول الذين يريدون عودة النظام السابق أو بعض التيارات السياسية التي تسعى إلى إقحام بورسعيد وألتراس أهلاوي في صراعها السياسي». أما حزب «المصريين الأحرار» المنضوي في «جبهة الانقاذ الوطني»، فحذر من «استمرار صمت الرئاسة وعجز الحكومة عن إطفاء الحريق الذي يهدد البلاد، والفشل في معالجة الأزمة السياسية التي أدخلت البلاد إلى نفق مظلم». وحمل في بيان له الرئيس وحكومته «المسؤولية بصورة مباشرة عن تحويل الحريق السياسي إلى حريق فعلي للبلاد». وأضاف أن «النظام والحكومة يتحدثان عن الانتخابات التي يأملون من ورائها في السيطرة على السلطة التشريعية بالكامل من دون النظر إلى رفض المعارضة لهذه الانتخابات واعتبارها باطلة». في المقابل، اعتبر المستشار الإعلامي لحزب «الحرية والعدالة» الحاكم مراد علي أن «صاحب المصلحة في الخراب والمستفيد من أعمال الشغب ليس هو العامل البسيط ولا الفلاح المطحون ولا الموظف الذي يسعى لحياة كريمة، وإنما هو الفاسد الذي يسعى إلى حماية فساده». وقال: «قمنا سوياً بثورة لنؤسس دولة القانون التي تحترم أحكام القضاء وتضمن القصاص العادل... وبغض النظر عن الرضا أو الرفض للأحكام، علينا احترامها واتباع الأساليب القانونية والشرعية للطعن عليها». وطالب ب «الكف عن إحباط الناس وكسر عزائمهم واستخدام الأحكام لإشعال الموقف وجر البلاد إلى الفوضى»، مؤكداً أن «على الجميع مراجعة مواقفهم قبل فوات الأوان».