يبدو أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) لم تكشف في بيانها الذي أصدرته قبل نحو شهر عن جميع المخالفات التي تحدث في مستشفى النقاهة، إذ تبيّن ل«الحياة» التي قامت بجولة في المستشفى أخيراً، أن غرفة العلاج الطبيعي خالية من الأجهزة، وحولت إلى مستودع لخزانات ملابس، وتغطي أرضياتها النفايات، في حين أن إحدى المريضات كانت مقيدة بقطعة قماش إلى سريرها على رغم أنها عاجزة. داخل مستشفى النقاهة، الذي خصصت له وزارة الصحة موقعاً وسط الصناعية الجنوبية في مدينة الرياض، لا مكان إلا لمريض مُقعد يئس ذووه من خدمته، وآخر غاب عن الوعي منذ 20 عاماً ولم يعد. هناك لا وجود للعلاج، بحسب تأكيد عدد من المرضى، بل خدمات سريرية لمن لا يُرجى برؤهم، وعناية بالنظافة الشخصية للمرضى الذين لا يزيد عمر بعضهم على 20 عاماً، في حين تجاوز بعضهم ال70 عاماً، وغالبية إصاباتهم نتيجة لحوادث مرورية نتج منها شلل أو جلطة، ليكون المستشفى آخر مكان لهم قبل الموت. في الغرف ال30 المخصصة للمريضات، لا أثر لورد أو هدية، ولا أثر يوحي بأن هناك من يزور هذه الأجساد المتعبة، فلا يُسمع سوى أصوات أجهزة التنفس الاصطناعي، وحديث مرافقي المرضى بين الفينة والأخرى، أما غرفة العلاج الطبيعي فلا وجود للأجهزة فيها، إذ حولت إلى مستودع ملابس تملأ أرضيتها النفايات. وكشف مصدر مطّلع في مستشفى النقاهة ل«الحياة»، أن طبيباً واحداً فقط يشرف في شكل يومي على 35 مريضة منومة داخل المستشفى، مؤكداً أن وزارة الصحة «لم تخصص أية عيادات متخصصة داخل المستشفى للإشراف على علاج المرضى المنومين، باستثناء عيادة الأسنان». ولفت إلى أن المستشفى يضم قسماً وحيداً مخصصاً للطوارئ، يستقبل الحالات الحرجة والمنقولة إليه، إضافة إلى مكتب الدخول، بيد أنه لا يضم مكتباً لإذن المغادرة، لأن المغادرين يخرجون لنقلهم إلى «مثواهم الأخير» عادة، على حد قوله. وذكر أنه توجد داخل قسم التنويم النسائي حالات تجاوزت فترة دخولها للمستشفى 20 عاماً، في حين أن جميع المريضات يعانين من جلطات أو حوادث مرورية وصعقات كهربائية، ومن بينهن من لديها إعاقة منذ ولادتها، وهناك حالتان لطاعنتين في السنّ لا تستطيعان المشي، ألقى بهما ذووهما في المستشفى. وتطرق المصدر، إلى أن من بين المريضات سيدة صومالية الجنسية تبلغ من العمر 35 عاماً، نُقلت إليه عن طريق مستشفى الشميسي وتعاني من حروق، وأصغر الموجودات سعودية تبلغ من العمر 19 عاماً تعرضت لصعقة كهربائية وهي تسبح. وزاد أنه يُسمح لكل مريض بمرافق واحد، وغالباً يُخصص له ذووه مرافقاً على نفقتهم الخاصة. وفي غرف التنويم الخاصة بالنساء، تبيّن ل«الحياة» أن فريق التمريض لجأ إلى تكبيل يد مريضة (تحتفظ «الحياة» باسمها) بواسطة قطعة قماش في السرير الذي ترقد عليه، على رغم أنها عاجزة عن المشي، وتقبع في غرفة بمفردها، إلى جانب أن معظم المريضات فاقدات للوعي، باستثناء امرأتين بوعيهما، لكنهما لا تستطيعان المشي. واتصلت «الحياة» بالمتحدث باسم وزارة الصحة للتعليق على معاناة المرضى في المستشفى، لكنه لم يُجِب. وكانت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أعلنت في 1 شباط (فبراير) الماضي، أنها رصدت قصوراً في بعض الخدمات الصحية، التي تقدم لمرضى مستشفى النقاهة في الرياض، وأكدت أن مبنى المستشفى متهالك، ويعاني من العيوب الهندسية، كما دعت وزارة الصحة إلى تشكيل لجنة تحقيق ومعاقبة المسؤولين. وقالت «نزاهة» في بيان وقتها: «تم تكليف مندوبين عن الهيئة للتحقق من بعض البلاغات على المستشفى، وتم تفحص وضعه، واتضح للهيئة أنه يتكوّن من مبنيين، أحدهما قديم ومتهالك، مع وجود تصدعات في أسقف بعض الغرف، وعدم مناسبة موقعه، كونه يقع في المنطقة الصناعية جنوبالرياض، التي يوجد فيها مصنع الأسمنت والجبس، وعدد من محال الرخام والحجر، وينتج منها تطاير الغبار والمخلفات الصناعية، الأمر الذي يؤثر في صحة المرضى جراء البيئة الملوثة، كما لوحظ عدم انضباط الممرضين السعوديين في الحضور والانصراف، ومتابعة حالات المرضى، ونتج منه تذمر كثير من المرضى من سوء معاملة الممرضين السعوديين لهم، والإهمال وعدم الدقة في متابعة حال المرضى، وعدم أخذ العلامات الحيوية (حرارة، ضغط، نبض) لهم من الممرضين، لضعف الرقابة عليهم». وأضاف: «تمّ رصد عدم تقيد اختصاصيي العلاج الطبيعي بعمل جلسات العلاج للمرضى بحسب ما هو مجدول في سجل متابعة حال كل مريض، كما لاحظت الهيئة أن مستوى النظافة في المستشفى عموماً متدنٍ، وتستخدم أدوات قديمة وبالية، وأن التعقيم سيئ، خصوصاً في المبنى القديم، وأن عمال النظافة لا يقومون بأداء أعمالهم وفقاً للعقد المبرم مع المتعهد، ويتم استخدامهم من بعض الموظفين في أعمال أخرى لا تخص المستشفى، وكذلك قيامهم بمساعدة الكادر التمريضي المختص في تحميم المرضى، على رغم أن ذلك خارج اختصاص أعمالهم، وفقاً لما نصّ عليه عقد التشغيل والصيانة، كما اتضح وجود نقص في بعض الأجهزة المهمة، مثل أجهزة التعقيم».