نعى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط الرئيس السابق للأركان العامة للجيش السوري العماد حكمت الشهابي، ورأى في تصريح أمس، أنه برحيل الشهابي «تكون سورية فقدت أحد أبرز رجالاتها الكبار، وهو علم من أعلامها الذين لعبوا دوراً محورياً في بناء القوات السورية المسلحة وساهموا على مدى سنوات طويلة في الحفاظ على استقرار سورية ودورها المحوري والأساسي في الشرق العربي أيام الرئيس حافظ الأسد». وقال: «عايش الراحل الكبير أدق المراحل السياسية الصعبة التي مرت بها سورية والمنطقة العربية برمتها، وهو الذي كُلِّف ملفَّ محادثات فك الاشتباك بعد حرب تشرين (أكتوبر) 1973 قبل أن يتولى رئاسة الأركان العامة، كما تولى التفاوض باسم سورية لاستعادة الحقوق المشروعة من الاحتلال الإسرائيلي في هضبة الجولان أثناء مفاوضات «واي ريفر» بتفويض من القيادة السورية»، مضيفاً أنه «لطالما ارتبط العماد الراحل بعلاقة وثيقة مع أبناء طائفة العرب الدروز، فهو الذي قاد حملة تبديد الإشاعات التي بُثت بعد حرب عام 1967 حول تواطؤ محتمل للدروز في تسهيل الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان، وهو كان خبراً عارياً من الصحة تماماً، وتصدى له العماد الشهابي، مشدداً على عروبة الدروز وموقعهم الطبيعي كجزء من الشعب العربي السوري، الأمر الذي ثبت لاحقاً، من خلال رفض العرب الدروز في الجولان المحتل الهوية الإسرائيلية وتمسكهم بهويتهم العربية والسوريّة». وذكّر جنبلاط بأنه «بُعيد حرب عام 1973، التي شهدت ظروفاً أقوى من أن يستكمل الجيش العربي السوري انتصاره، رفض العماد الشهابي الأنباء التي وردت عن العقيد الدرزي رفيق حلاوي بأنه هرب خلال الحرب، وصحت نظرته، إذ تبيّن في وقت لاحق أن حلاوي استشهد محترقاً في طلائع رتل الدبابات التي وصلت إلى مشارف بحيرة طبريا. وهل يمكن تناسي العلاقة الوثيقة التي ربطت العماد الراحل بالعرب الدروز في منطقة جبل السماق وإصراره على التواصل الدائم معهم، وهم الذين اعتبروا أن جذوره وأصوله من عشيرة بني معروف؟». ودعا الى «استذكار الدور الكبير الذي قام به العماد الشهابي إلى جانب القوى الوطنية اللبنانية لمنع تقسيم لبنان، من خلال مواجهة إسرائيل وعملائها المحليين وقطع الطريق على المشاريع الفئوية التي استهدفت عروبة لبنان، ووضع إمكانات الجيش العربي السوري إلى جانب الوطنيين اللبنانيين في معركة سوق الغرب الأولى، وفي عدد من المحطات المفصلية الأخرى، أبرزها دوره بعد الغزو الإسرائيلي سنة 1982 وأداؤه البطولي في معارك السلطان يعقوب وعين زحلتا وفي الدفاع عن العاصمة بيروت، ناهيك بالدور الطليعي لسورية والجيش العربي السوري في إسقاط اتفاقية 17 أيار، فضلاً طبعاً عن الدور اللاحق في تطبيق اتفاق الطائف، الذي أخرج لبنان من دوامة الحرب الأهلية». وقال: «أستذكر في هذه المناسبة تشجيعه إياي على التواصل الوطني والقومي مع العرب الدروز في فلسطينالمحتلة، وقد عقدنا معهم عدداً من اللقاءات التي كان دائماً متحمساً لها انطلاقاً من اقتناعه الثابت بأصالة وعروبة الموحدين الدروز وموقعهم الطبيعي إلى جانب إخوانهم العرب في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي». وزاد: «عرفته قبل اغتيال كمال جنبلاط، وكان يأمل، بعد جلسة الساعات الست الشهيرة عام 1976 بين كمال جنبلاط وحافظ الأسد، لو تم التوافق، إلا أن الظروف العربية والدولية كانت أقوى من حصول هذا التوافق، وخاب أمله جرّاء ذلك. وتوطدت صداقتي الشخصية والسياسية معه بعد أربعين كمال جنبلاط والتسوية التي حصلت مع النظام السوري. وخلال هذه العلاقة الطويلة، جمعتني به عشرات اللقاءات في منزله وفي مبنى الأركان حيث كنا نناقش مختلف القضايا الدولية والعربية واللبنانية. والتقيته في نيسان (أبريل) 2011 في باريس، وبقيتُ على اتصال به، وكان شديد القلق على سورية، وكنت ولا أزال أشاطره هذا القلق، وقال لي عبارة معبرة، وهي: «يا وليد، سورية التي نعرفها لن تعود»، وكل يوم تزداد قناعتنا بأنها لن تعود. وبعد أن غادر باريس، بقيتُ على اتصال به، وكان لا يزال متمسكاً برأيه حيال التطورات في سورية، لا بل إنه كان يزداد تشبثاً به مع مرور الأيام القاسية على وطنه». وأوضح جنبلاط أن «العماد الراحل أدرك منذ الأيام الأولى لانطلاق أحداث درعا، أن الأمور ستتطور نحو الأسوأ ما لم يتم تداركها، فطلب موعداً من بشار الأسد لم ينله قط، وتفاقم الأوضاع بشكل دراماتيكي دفع به في وقت لاحق لأن يكون شديد التشاؤم، وهو محق بذلك، فها هي سورية اليوم تحترق وتحتضر وسط صمت دولي غير مسبوق، وتُرك شعبها للقدر فيما يواصل النضال والقتال ويرفض الاستسلام». وتقدم بالتعزية من «عائلة الشهابي ومن الرعيل الأوّل من الضبّاط والجنود في الجيش العربي السوري، الذين عرفوه وتتلمذوا في مدرسته، ومن الشعب السوري لفقدان هذا العَلَم والرمز، وستبقى ذكراه لسنوات طويلة إلى الأمام، وستظهر بصماته في العديد من المحطات والمفاصل التي كان له فيها أدوار كبيرة». وقال: «رحمة الله عليك يا سيادة العماد حكمت، إذ وافتك المنية في المهجر بعيداً من سورية التي أحببتها وأحبتك، وبعيداً من أرضها وأهلها، وحالت الظروف التي لطالما تنبأت بحصولها وتشاءمت منها، دون أن يحتضنك التراب السوري بعد سنواتٍ طويلة من النضال والعمل والجهد. وداعاً يا أغلى الرجال، وداعاً يا أبا حازم». وبعث جنبلاط إكليلين من الزهر، الأول باسمه واسم زوجته نورا وآل جنبلاط، والثاني باسم «الحزب التقدمي الاشتراكي». وأجرى اتصالاً بالنائب السابق للرئيس السوري عبدالحليم خدام لتعزيته بالشهابي، فتبين له أنه لم يكن على علم بالوفاة، وقال جنبلاط إن خدام تأثر كثيراً حين أعلمه بالخبر. وذكر جنبلاط أمام زواره، أن جيش النظام السوري قصف منزل الشهابي في بلدة باب الهوى في محافظة إدلب بالطيران ودمره بالكامل. وعلمت «الحياة» أن عائلة الشهابي حاولت دفنه في سورية، إلا أنها لم تفلح في ذلك، لذلك سيوارى الثرى في الولاياتالمتحدة.