قُتل ستة أشخاص في محافظة بورسعيد المصرية المطلة على قناة السويس، بينهم جنديان في الشرطة، في اشتباكات متكررة بين قوات الأمن والمتظاهرين، لكن قوات الجيش التي انتشرت في المحافظة في أعقاب اندلاع الاضطرابات فيها بنهاية كانون الثاني (يناير) الماضي، دخلت للمرة الأولى على خط الصدامات أول من أمس، واشتبكت مع قوة الشرطة المكلفة تأمين مبنى مديرية أمن بورسعيد. ورغم نفي القوات المسلحة ووزارة الداخلية وقوع اشتباكات بين أفرادهما، إلا أن أشرطة مصورة تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر جنوداً في الجيش يطلقون النار بكثافة على مقر مديرية الأمن. وأصيب قائد قوة التأمين التابعة للقوات المسلحة في مدينة بورسعيد العقيد شريف جودة العرايشي بطلق ناري في ساقه، ونُقل إلى مستشفى الحلمية العسكري في القاهرة حيث خضع لعملية جراحية، استئصلت فيها عضلات وأنسجة تلفت جراء الإصابة. وزار وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي وقادة في الجيش الضابط المصاب. وكانت سيارة تابعة لقوات الأمن المركزي صدمت مجنداً في الجيش وأصابته. وذكر بيان أن الحادث وقع خطأ. وكان آلاف المحتجين تجمعوا مساء أول من أمس أمام مبنى مديرية أمن بورسعيد ورشقوها بالحجارة وزجاجات حارقة، وردت الشرطة بإطلاق وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، وسط تواجد قوة من الجيش مكلفة تأمين مقر المديرية آثرت عدم التدخل. واعتلى جنود في الأمن المركزي أسطح مبان في مديرية الأمن وأمطروا المتظاهرين بقنابل الغاز المسيل للدموع، وسقط ثلاثة قتلى بين المدنيين. وأظهرت لقطات فيديو بثها ناشطون اختراق آليات للجيش صفوف المتظاهرين وتقدمها ناحية مديرية الأمن وإطلاق النار بكثافة عليها، وسط هتافات: «الله أكبر» و «الجيش والشعب أيد واحدة». ثم تراجعت مدرعات الجيش، وتقدم جنود يحملون أسلحة آلية أطلقوا منها وابلاً من الطلقات على مديرية الأمن، حتى أن جنوداً في الجيش استهدفوا بأسلحتهم من يعتلون مباني المديرية، وظل الأمر على هذا النحو لدقائق عدة. ورغم أن هذه التسجيلات تُظهر بجلاء أن قوات الجيش أطلقت النيران على أفراد داخل مديرية الأمن هم غالباً من قوات الشرطة، إلا أن الناطق باسم القوات المسلحة العقيد أحمد محمد علي أكد مراراً أنه لم تحدث اشتباكات بين عناصر الجيش والشرطة، وأن «الطلق الناري أصاب (أفراداً) من الجانبين، سواء من عناصر الجيش أو الشرطة، وهو ما يؤكد أن عناصر مجهولة هي من قامت بذلك»، كما أعلنت وزارة الداخلية مقتل ثلاثة مجندين من عناصر تأمين مديرية الأمن بطلقات نارية في الرأس والرقبة أُطلقت «من قبل مجهولين عشوائياً في المنطقة المحيطة بالمديرية». وأعلنت وزارة الصحة مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة أكثر من 500 متظاهر باختناقات وكسور وطلقات خرطوش. وقال الناطق العسكري إن «قوات الجيش في بورسعيد تقوم بأعمال تأمين مبنى المحافظة ومحاولة الفصل بين المتظاهرين وعناصر وزارة الداخلية»، مضيفاً أن «المناوشات بين المتظاهرين وعناصر وزارة الداخلية أسفرت عن إصابة قائد قوة التأمين التابعة للقوات المسلحة بطلق ناري في الساق، واستشهاد جندي (ارتفع العدد في وقت لاحق إلى ثلاثة جنود) من قوات الأمن بطلق ناري في الرقبة نتيجة إطلاق النيران بواسطة عناصر مجهولة». وناشد «شعب بورسعيد» عدم الاقتراب من مبنى المحافظة أو المنشآت التي تؤمنها عناصر الجيش الثاني الميداني. وفي وقت لاحق، أصدر المتحدث العسكري بياناً لافتاً قال فيه إنه «في إطار ما شهدته مدينة بورسعيد من أحداث مؤسفة (أول من) أمس تؤكد القوات المسلحة دائماً أن مدينة بورسعيد الباسلة وشعبها العظيم بتاريخه الوطني المشرف في قلب ووجدان القوات المسلحة ورجالها، وأن تأمينهم والحفاظ على أرواحهم ومقدراتهم عهد قطعناه على أنفسنا مهما كانت التضحيات». وتجددت الاشتباكات أمس بعدما شيع ألوف قتلى الاشتباكات، وتوجه مئات إلى مديرية الأمن مجدداً وقذفوها بالحجارة وزجاجات حارقة وردت قوات الشرطة بقنابل الغاز المسيل للدموع. واشتعلت النيران في جزء من مقر مديرية الأمن، وسط مشهد ينذر بتصعيد غير مسبوق ليلاً، إذ يُظهر المحتشدون هذه المرة إصراراً على اقتحام المقر. وردد المشيعون هتافات تطالب برحيل الرئيس محمد مرسي وإسقاط جماعة «الإخوان المسلمين»، فيما رفعت آليات الجيش لافتات كبيرة كُتب عليها: «القوات المسلحة تُشاطركم الأحزان». وفي محاولة لتدارك الأحداث وصولاً إلى تهدئة أهالي بورسعيد، أعلنت وزارة الداخلية أمس اعتزامها إعادة المدانين من المتهمين في قضية «مذبحة بورسعيد» إلى سجن المدينة عقب جلسة النطق بالحكم المقررة السبت إلى حين الانتهاء من إجراءات نقل السجن من موقعه الحالي. وذكرت أن هذا القرار «يأتي في إطار حرص الوزارة على التواصل الإيجابي وترسيخ أواصر الثقة مع المواطنين من أهالي بورسعيد، وفي ظل مشاعر الاستياء التي ألمت بأبنائها إزاء نقل المتهمين في أحداث إستاد بورسعيد وما تبعها من أحداث أدت إلى تداعيات تهدد حالة الأمن والسلم وتؤثر في السكينة العامة». وكانت الاشتباكات الأخيرة اندلعت بعدما أعلنت وزارة الداخلية نقل 39 من المتهمين في القضية إلى مكان مجهول. ومن المقرر أن تصدر محكمة جنايات بورسعيد السبت المقبل حكمها في «مذبحة بورسعيد» التي راح ضحيتها 74 من مشجعي النادي الأهلي بعد مباراة لكرة القدم. وكانت المحكمة أحالت أوراق 21 متهماً على المفتي لأخذ رأيه في الحكم بإعدامهم، فيما بدأت روابط مشجعي النادي الأهلي «التراس أهلاوي» تصعيداً للمطالبة بإصدار أحكام مشددة ضد بقية المتهمين، فبعدما حاصرت أول من أمس مقر البنك المركزي في القاهرة وقطعت طرقاً رئيسة، حاصرت أمس مقر البنك المركزي في محافظة الإسكندرية، وقطعت طرقاً رئيسة في محافظة السويس. وفي القاهرة، عادت الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في محيط ميدان التحرير، بعدما حاولت الشرطة فض الاعتصام فيه أول من أمس. واندلعت مواجهات في منطقة كورنيش النيل قرب الميدان، استخدم فيها المتظاهرون الزجاجات الحارقة والحجارة، وردت الشرطة بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، وسقط عشرات الجرحى. وألقى صبية أمس زجاجات حارقة على قوات الأمن المركزي المكلفة حماية مقر مجلس الشورى ورد الجنود برشقهم بالحجارة. وأعلنت وزارة الداخلية أمس توقيف 81 شخصاً في محافظتي القاهرةوالدقهلية (في دلتا النيل) التي تشهد أيضاً مواجهات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين بعد دهس مدرعة تابعة للشرطة شاباً من المتظاهرين وقتله. وينظم «التيار الشعبي» اليوم سلاسل بشرية ووقفات احتجاجية في القاهرة ومحافظات عدة تضامناً مع متظاهري الدقهلية وبورسعيد، واحتجاجاً على عنف الشرطة المستمر ودعماً لدعوات العصيان المدني.