يقول المثل الإنكليزي: تستطيع أن تأخذ الحصان إلى بركة الماء لكنك لا تستطيع أن تجبره على الشرب. المثل نفسه يمكننا لو طبّقناه على بلداننا التعيسة أن نقول: تستطيع أن تسحب بلداً ما من قبضة حكم يستبد به، لكنك لا تستطيع أن تقيم له نظاماً ديموقراطياً إذا كان لا يريد أو أنه غير مؤهل لذلك النظام. مناسبة هذا الكلام هي الذكرى العاشرة للحرب الأميركية في العراق وما حل بوعود الديموقراطية بعدما «أهدى» الأميركيون الشعب العراقي إسقاط صدام حسين. ليس من المبالغة أن نقول إن الدكتاتورية في العراق اليوم في ظل نوري المالكي وحكومته «الديموقراطية» لا تقل سوءاً عن دكتاتورية صدام وحكومته البعثية. ويذكر الصحافي باتريك كوكبرن في تحقيقه المفصل الذي نشرته صحيفة «الاندبندانت» البريطانية أمس بمناسبة هذه الذكرى، أن الشعور بغياب الأمن وبالحكم المستبدّ هو نفسه اليوم كما كان عليه أيام صدام. وإذا لم يكن العراقيون يشعرون بالخوف نفسه من أجهزة الأمن، فان سبب ذلك ليس أن هذه الأجهزة أقل عنفاً وفساداً مما كانت أيام الحكم السابق، بل لأنها أكثر ضعفاً وأقل فاعلية. فقد تحول حكم نوري المالكي، الذي يرأس حكومة العراق منذ عام 2006، إلى ما يشبه الحكم الدكتاتوري مع اللجوء إلى وسائل متطورة من أدوات القمع، مثل السجون السرية وانتشار التعذيب. كما أنه يسيطر بشكل شبه مطلقة على الجيش وأجهزة الاستخبارات وموازنة الدولة والمؤسسات الحكومية، وأراد من كل ذلك أن يضمن لمؤيديه حصة الأسد من الوظائف والعقود. ويضيف كوكبرن أن الوظائف تذهب أساساً على قاعدة الولاء السياسي وليس على قاعدة الخبرة أو الكفاءة، وبذلك يصبح الانتساب إلى حزب «الدعوة» هو «المؤهّل» الوحيد المطلوب للحصول على وظيفة. وبالعودة إلى مثَل الحصان، يمكن أن نسأل: هل الأميركيون هم المسؤولون عن المصير الذي وصل إليه العراق بعد عشر سنوات من سقوط صدام، كان متاحاً له خلالها أن يتحول إلى أحد أكثر دول المنطقة ازدهاراً واستقراراً؟ أم أنهم العراقيون بسبب تناحرهم على المقاعد الحكومية وانعدام الولاء الوطني لدى العديد من قادتهم والانغماس المفرط في الفساد داخل أجهزة الدولة؟ ففي بلد يبلغ دخله السنوي مئة بليون دولار من عوائد النفط انتهى الأمر بسبب الفساد المتفشي وسرقة المال العام إلى انهيار شبه كامل في الخدمات العامة، تضاف إلى ذلك النسبة المرتفعة من البطالة التي تتجاوز ثلث اليد العاملة، وتراجع سلطة الدولة المركزية لمصلحة الأحزاب والتيارات والعشائر ذات الولاءات الطائفية والمذهبية. في الأسبوع الماضي حذر نوري المالكي من أن انتصار المعارضة في سورية سيؤدي إلى اشتعال الحرب الأهلية في لبنان وتفكك الأردن واتساع الصراع المذهبي في العراق. وجاء هذا التحذير كصدى لتهديدات بشار الأسد من أن سقوط نظامه سيشعل المنطقة ولن ينجو أحد من نار هذا الحريق. وخطورة هذا التهديد أنه يحوّل السيطرة الطائفية لنظامي دمشق وبغداد على مقدرات البلدين إلى ورقة للمقايضة في مقابل المحافظة على الاستقرار في سورية والعراق وفي المنطقة بشكل عام. فالحقيقة أن ما يهدد العراق هو التدخل المباشر والمنحاز لرئيس حكومته في الأزمة السورية، وإشرافه على عملية التفكك الداخلي التي يغذيها فساد حكمه واستبعاد فئات واسعة من العراقيين، وخصوصاً من السنّة والأكراد، عن مواقع السلطة والقرار. وفي هذا لا يتحمل الأميركيون أي مسؤولية عن الوضع بسبب إسهامهم في إيصال نوري المالكي إلى السلطة، ولا يفترض أن ننتظر منهم أن يكونوا أكثر حرصاً على مصير العراق من رئيس حكومته.