ثلاث فتيات وشابان بقمصان خضر بتدرّج لوني لافت، يندمجون في لوحات راقصة أشبه بلعبة «ليغو»، يضطلع الجمهور بلملمة قطعها لتفسير «جنون عادي»، وهو عنوان العمل الراقص الأخير لفرقة «سرية رام الله الأولى للرقص المعاصر»، من تصميم فرح صالح وإخراجه. وتلخص لوحات العمل، الأشبه بلقطات يومية عادية ومجنونة في آن واحد، روحاً فلسطينية خاصة، إنسانية الهوى، عندما كان للقُبلة ورمزيتها دور البطولة في الحياة العامة. والتقبيل رمز للصداقة والمحبة، فيما يرى خبراء نفسيون أن العناق تعبير عن الصداقة والولع، وربما يكون التقبيل انعكاساً لحالة من القلق، أو محاولة للتواصل، فيما قد ترمز القُبلة على العنق إلى الرغبة والانجذاب، والقبلة على اليد إلى الاحترام، وربما أحياناً تعكس نفاقاً. كما أن التقبيل، في الأساطير اليونانية، يرمز إلى الحياة والازدهار، وفي أساطير أخرى إلى الخيانة، وربما الموت. وفي كتب تفسير الأحلام، قد يدلّ التقبيل على النهضة والتجدد، وفي نهاية المطاف فإن التقبيل تعبير عن «روح حياة جديدة». وتقول فرح صالح إن «الفكرة التي ساهم في تطويرها جميع الراقصين، نابعة من أن العلاقات الاجتماعية من حولنا تتغيّر، والاقتصاد بات يتحكم بنا، ليس كفلسطينيين فحسب، بل كبشر. لكن في فلسطين للأمر انعكاسات أخرى تتعلق بما بدأنا نستشعره بالتعامل مع الاحتلال وكأنه شيء عادي». وتشير إلى أن التنويع في اللوحات يعكس تصميم العرض الذي بني على أساس أنه مجموعة قصص قصيرة ل «الجنون» الذي نعيشه، والذي بات عادياً، «فالعمل فيه تجريد عالٍ، ولا علاقة له بالسردية، إنما هذه القصص القصيرة يمكن البناء عليها لترصد جنوناً تعكسه علاقات تتشعب إلى صداقات وحالات عشق، وأخرى صدامية، وغيرها. إنه عمل للجميع، كان لكل مشارك بصمته فيه، بل وشيء من روحه». أما خالد عليان، المدير الفني للفرقة فيقول: «بعدما شكّلنا فرقة للرقص المعاصر، وأخرى للرقص الشعبي والفلوكلور، وجدنا أنه من الضروري إتاحة الفرصة أمام المبدعين الشباب ليقدموا أفكارهم على المسرح، عبر أعمال راقصة، ومن هنا جاء عرض «جنون عادي» بعد «ساندويشة لبنة» و«من الغبار». ويضيف: «العرض يقدم أفكاراً جديدة، وتصميمه احترافي لافت للانتباه، ومبشّر بمستقبل للرقص المعاصر في فلسطين»، لافتاً إلى أنه من المقرر مشاركة «جنون عادي» في الدورة المقبلة لمهرجان رام الله للرقص المعاصر، الشهر المقبل، وأن العرض قد يتجول في مدن فلسطينية. ويبدو مغرياً تحليل اللون الأخضر المركّز عليه في العرض. إذ تشير دراسات عديدة إلى أن هذا اللون جذَب الإنسان البدائي، بعدما كان مصاباً بعمى الألوان، وأن أول لون استهواه بعد الأبيض هو الأخضر، والذي رمز في عدد من الديانات القديمة إلى الرجاء. ويرى علماء نفس أن تأثير اللون في الإنسان بعيد الغور، وأن تجارب بيّنت أن اللون يؤثر في إقدامنا وإحجامنا وشعورنا بالحرارة أو البرودة، بالسرور أو الكآبة، بل يؤثر في شخصية الإنسان، وبالتحديد الرجل، وفي نظرته إلى الحياة. وبسبب تأثير اللون في أعماق النفس الإنسانية، تستدعي مستشفيات اختصاصيين لاقتراح ألوان الجدران في غرف المرضى، واللافت إن البحوث توصلت إلى أن اللون الذي يبعث السرور والبهجة وحب الحياة، هو الأخضر، لذلك أصبح اللون المفضل في غرف العمليات الجراحية، ولثياب الجراحين والممرضات. وتحضر هنا تجربة تمّت على جسر «بلاك فرايار» في لندن الذي شهد غالبية حوادث الانتحار في المدينة حتى سمّي «جسر الانتحار». فعندما طُلي بالأخضر الزاهي انخفضت نسب الانتحار منه في شكل ملحوظ. في حين تشير دراسات أخرى إلى أن الأخضر يريح البصر، لأن مساحته البصرية أصغر من تلك المرتبطة ببقية الألوان. كما أن طول موجته وسطي، ليست طويلة كاللون الأحمر ولا قصيرة كالأزرق.