تسبب قرار الحكومة الأردنية المستقيلة رفع الدعم عن المحروقات للمرة الثالثة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بموجة غضب عارمة داخل الكتل النيابية المنغمسة في مشاورات تجرى ببطء شديد لتشكيل الوزارة الجديدة. وأقدمت أمس لجنة «التسعير النفطي» في حكومة عبدالله النسور، أبرز المرشحين لتولي رئاسة جديدة، على رفع أسعار المشتقات النفطية بنسب كبيرة وفي شكل مفاجئ لضمان الحصول على قرض بقيمة بليوني دولار من صندوق النقد الدولي. وأدى هذا القرار إلى اتهام النسور من جهة غالبية النواب، بالسعي إلى «تحطيم سمعة» البرلمان الحديث التشكل و «إسقاطه شعبياً»، كما ساهم في تغذية احتجاجات الشارع، خصوصاً داخل مناطق الريف التي تعاني الفقر والتهميش. وأعرب حزب «الجبهة الأردنية الموحدة»، أحد الأحزاب القريبة من النظام، عن اندهاشه من اعتماد القرار في توقيت «مريب» و «غير مبرر». وقال الحزب الذي يرأسه النائب الحالي، الوزير السابق أمجد المجالي، وهو شقيق مدير الأمن العام الأردني الجنرال حسين المجالي، أحد أبرز القريبين من القصر الملكي، إن «رئيس الحكومة يعمل على تدمير سمعة البرلمان قبل التشكيل الحكومي المرتقب». وتساءل في بيان أمس عن «مصلحة الرئيس (المستقيل) في استثارة الشارع وصفع المجلس على وجهه في أيامه الأولى». وأضاف: «هل المطلوب أن نكون سذجاً لنصدق أن الدولة لا تستطيع انتظار أسبوعين أو ثلاثة من دون أن تقدم على هذا الرفع؟ إذا كان الأمر كذلك، فعلى الدنيا السلام، وعلى الحكومة الرحمة». وأدى القرار إلى «إرباك» الساحة النيابية و «إضعاف» نواب وكتل كانت رشحت الرئيس الحالي إلى رئاسة الحكومة المقبلة التي يتوقع إعلانها قريباً. وشرح النائب خالد البكار، ممثل كتلة «وطن»، وهي كبرى الكتل البرلمانية، أن الإجراء الأخير «يتعارض مع مبادئ الكتلة التي دعت إلى تجنيب أصحاب الدخل المتدني والمحدود والطبقة الوسطى آثار أي ضائقة اقتصادية تمر بها السلطة». ولم يستبعد أن تعود كتلته إلى قرارها الأول المتضمن تقديم برنامج عمل حكومي، من دون الخوض في ترشيح أسماء لرئاسة الحكومة. وكانت «وطن» أعلنت قبل يومين تمسكها بترشيح النسور على رئاسة جديدة، ساندها في ذلك عدد كبير من النواب الذين يمثلون غالبية «رخوة» وغير «متماسكة». كما دان الناطق باسم كتلة «المستقبل» مصطفى ياغي رفع الدعم، مطالباً الحكومة بالتراجع عنه فوراً. ورأت كتلة «التجمع الديموقراطي للإصلاح» في بيان أن زيادة أسعار المشتقات النفطية «غير مبرر»، ويأتي «في ظل مشاورات على حكومة مقبلة». ورفضت كتلة «الوسط الإسلامي» على لسان رئيسها محمد الحاج، القيادي السابق في جماعة «الإخوان المسلمين»، الإجراء، ورأت أن توقيته يمثل «استفزازاً لمشاعر الأردنيين». كما استهجنت كتلة «الوعد» الإجراء المذكور، وقالت إنه «بمثابة إطلاق النار على مجلس النواب وزرع الفتنة بينه وبين الشارع». وساهم القرار الحكومي في انتعاش احتجاجات الشارع خلال الساعات الماضية، ففي حين نزلت مجاميع غاضبة إلى الشوارع في عمان وإربد والكرك، نددت جماعة «الإخوان»، كبرى القوى المعارضة، بالخطوة الرسمية، ودعت إلى التراجع عنها «قبل فوات الأوان». وردد المحتجون في إربد، ثاني أكبر مدن الأردن في الشمال، شعارات خرقت السقوف كافة وطاولت شخصيات رمزية في البلاد. وندد هؤلاء بزيادات الأسعار التي لم تكن «متوقعة» في مثل هذا التوقيت. وجاء الرفع الحكومي هذه المرة بنسبة 4.4 في المئة للبنزين أوكتان 90، ليرتفع سعر الصفيحة إلى 14.7 دينار (20.7 دولار)، و4 في المئة للبنزين أوكتان 95 الذي ارتفع سعر الصفيحة الواحدة منه إلى 20.6 دينار (29 دولاراً)، بينما قررت الحكومة رفع أسعار السولار والكيروسين بنسبة 3.6 في المئة، ليرتفع سعر الصفيحة إلى 20 دولاراً. ويأمل الأردن الذي يعاني عجزاً يقارب 21 بليون دولار، في كسب تأييد صندوق النقد، واللجوء إلى أسواق رأس المال لإصدار سندات دولية. وكانت الحكومة المستقيلة قالت في وقت سابق إنه «لو تأجل هذا القرار لواجهنا كارثة وإفلاساً». ويبدو أن النسور كان يدرك جيداً قبل اتخاذه القرار، التداعيات الصاخبة والمحتملة تحت القبة. فوفق قريبين منه، سعى من وراء الرفع إلى تأكيد «السياسية الاقتصادية العابرة للحكومات الأردنية»، والقول إن «سياسة إلغاء الدعم التي تبناها سابقاً لا عودة عنها في ظل تردي الموازنة». وثمة من يرى أن مثل هذا القرار قد يعزز فرص النسور المتعاظمة عند مؤسسات الحكم النافذة برئاسة ثانية، خصوصاً عند مؤسسة القصر التي تشعر جيداً بحجم الضائقة المالية التي تمر بها البلاد. لكن، هناك من يسأل عن مدى نجاح خصوم الرجل، وهم كثر، في إقصائه عن دائرة الترشيح، وتفتيت الغالبية الملتفة حوله، وإقناع المؤسسة الحاكمة حتى ربع الساعة الأخير في أن التجديد له قد يثير حفيظة الشارع المتحفز دوماً إلى التظاهر.