لا تثير جوائز «السيزار» لأفضل الأفلام الفرنسية ما تثيره مثيلتها الأميركية «الأوسكار» من استقطاب إعلامي ومتابعة جماهيرية، ولهذا اسبابه الفنية وغير الفنية. لكن هذا لا يمنع أن للسينما الفرنسية أهميتها وحضورها الكبيرين لا سيما في أوروبا، كما أنها تعيش منذ فترة سنوات «انتعاش» نسبي وفق الأرقام التي ينشرها المركز الوطني للسينما. جوائز «السيزار» وزعت من أسبوع وكانت المفاجأة في خروج فيلمين مثيرين للإهتمام خاليي الوفاض على رغم كثرة الترشيحات التي بلغت ثلاثة عشر لأولهما وهو «كاميي ترسب في صفها» لنعومي لوفوفسكي، وتسعة لثانيهما أي «هولي موتورز» لليوس كاراكس الذي كان يتوقع له الفوز بجائزة أفضل فيلم للعام. لكن تلك راحت إلى «حب» للنمسوي ميكائيل هانيكيه الذي سبق ونال السعفة الذهبية في كان، كما جلبت معها الجوائز الأكثر أهمية مثل أفضل إخراج وأفضل ممثلة وممثل. يقترح «حب» نظرة مغايرة على الكبار في السن من خلال علاقة زوجين في الثمانين ويومياتهما مع الشيخوخة والمرض والحب. فازت بطلته ايمانويل ريفا (86 سنة) بجائزة التمثيل الأولى ورشحت لمثلها في الأوسكار ولكنها لم تنلها. اما بطله جان لوي ترنتينيان (82 سنة)، فقد نال أخيراً «سيزار» افضل ممثل وهي الجائزة التي رشح لها سابقاً اربع مرات ولم يحظ بها رغم أدائه الرائع في عدد كبير من أفلامه السابقة وموقعه في السينما الفرنسية. ترنتينيان لا يحفل كثيراً بالجوائز وبخاصة في هذا العمر، ويعتبر أن ثمة الكثير منها اليوم كما صرح لجريدة بلجيكية «لوسوار». بطل فيلم كلود لولوش الشهير «رجل وامرأة»، يقول إنه لم يمارس مهنته إلا حباً بها وليس بهدف النجاح أو لطموحات من هذا القبيل. الأوسكار أولى الفيلم الثاني بعدد الجوائز كان «صدأ وعظام» للفرنسي جاك أوديار الذي حصد أربع جوائز للسيناريو وأفضل ممثل واعد والمونتاج والموسيقى التصويرية. وعلى رغم الإخراج المتميز لصاحب «النبي»، فإن جائزة أفضل إخراج ذهبت إلى هانيكيه الذي كان غائباً عن الحفل لأنه فضَّل على ما يبدو الذهاب لحضور جوائز الأوسكار! «صدأ وعظام» أحد أقوى الأفلام الفرنسية التي عرضت العام الفائت، سواء لناحية السيناريو أو للأداء (ماتياس شوينارتس وماريون كوتيارد التي لم تنل شيئاً رغم ترشيحها للجائزة) وهو عن علاقة تجمع بين شاب خشن و فتاة رقيقة، لا يتجسد الاختلاف الحاد بينهما في الطباع فحسب بل في الانتماء الطبقي والسلوك الاجتماعي، علاقة احتياج معنوي وجسدي (الفتاة أصيبت بإعاقة فيما بعد) ذات بعد عاطفي يتكون شيئاً فشيئاً. وقد اكتفى فيلم بنوا جاكو «وداعا للملكة»، المأخوذ عن رواية كحال نصف ما أنجزه هذا المخرج من أفلام (20)، بجوائز التصوير والأزياء والديكور. الفيلم تاريخي يصور الأيام الأخيرة لماري انطوانيت مباشرة قبل 14 تموز (يوليو) وزحف الجماهير، فيلم يحكي عن هؤلاء «المسجونين» في قصورهم والذين لا يدرون بأحوال شعوبهم. «وداعاً للملكة» من الأفلام المكلفة في السينما الفرنسية إذ اقتربت نفقات إنتاجه من الثمانية مليون يورو. «كارثية» أم «ممتازة»؟ لم يخل حفل توزيع الجوائز وما أحاط به من الإشارة إلى السجال الذي أثير في فرنسا مؤخراً حول وضع السينما الفرنسية بسبب تكلفتها المرتفعة وأجور الممثلين التي يعتبرها البعض «مبالغاً بها» وبأنها «كارثة» على هذه السينما. وكان هذا الجدل الذي بدأ نهاية العام المنصرم قد أثير مع تصريحات «فنسنت مارافال»، الموزع والمنتج على صفحات جريدة لوموند في 28-12، حيث صرح أن عام 2012 كان «كارثياً» على السينما الفرنسية لأن الأفلام خسرت الملايين. وأعاد الأسباب إلى التكلفة المرتفعة للسينما الفرنسية والتي لا تغطيها المردودات. وقال إن معدل تكلفة الأفلام الفنية في فرنسا يصل إلى5.4 مليون يورو وهو رقم قياسي في العالم وبخاصة إذا ما قورن بتكلفة الأفلام الأميركية المستقلة التي تصل إلى 3 مليون يورو... واعتبر أجور الممثلين المبالغ بها سبباً رئيساً في هذا الوضع، وأعطى مثالاً «ستار 80» وهو فيلم كوميدي أبدى استغرابه كون ارقامه الرسمية تفيد انه كلّف أكثر من «البجعة السوداء» و «خطاب ملك»! وهاجم المنتج بحدة الممثل الأغلى أجراً في السينما الفرنسية وهو الهزلي داني بون (يبلغ أجره 3.6 مليون يورو) قائلاً إن هذا يعيش في لوس انجليس و «مدخول أفلامه لا يغطي أجره ورغم فشل فيلمه الأخير فهو سيبدأ بفيلم جديد تكلفته لن تقل عن عشرة مليون يورو»! هذه الاتهامات دفعت المسؤول عن الدعم في المركز الوطني للسينما إلى الرد. ففي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية اعتبر هذا أن 2012 كانت سنة «ممتازة» للسينما الفرنسية. وعلى رغم التراجع الطفيف قياساً لعام 2011، التي كانت سنة ظاهرة بسبب فيلم «المنبوذون» وهو الفيلم الفرنسي الأكثر مشاهدة في فرنسا وفي العالم وفق الاحصاءات الأخيرة، فإن حصة الفيلم الفرنسي في الاسواق الفرنسية قد ازدادت في العشر سنوات الاخيرة مقارنة بحصة الفيلم الأميركي التي تتناقص، كما ما زالت نسبة التردد عليه مرتفعة و تتجاوز المعدل الوسطي للعشر سنوات الأخيرة. لكن السينما الأميركية، التي تتراجع حصتها في سوق العرض الفرنسية (7 في المئة خلال عشر سنوات)، لم تغب عن حفل السيزار والجوائز إذ تم تكريم الممثل الأميركي كيفن كوستنر عن مجمل أعماله، ومنحت جائزة أفضل فيلم أجنبي إلى... «آرغو» لبن افليك.