في مشعر منى وتحت أشعة الشمس الحارقة، ارتمى ضيوف الرحمن في أحضان ظلال اللوحات والأبنية، لتكون ملجأ لهم من لهيب الشمس الحارق، إذ صنعوا من هذه الظلال مخيمات افتراضية كان يخيل إليهم من التعب أنها من فئة الفنادق ذات الخمسة نجوم، فتسابقوا عليها، وغبط كل من حصل على مكان بسيط يستطيع الخلود فيه إلى قليل من الراحة. ولم يغب عن أذهان الحجاج «المخالفين لأنظمة الحج» أن «الظل» ليس بصديق دائم، فما هي إلا برهة من الوقت ويضمحل عنهم لينتقل إلى مكان آخر، فأعد له مستقبلوه قبل قدومه وانتظروا مجيئه بفارغ الصبر. اختلفت ألوان الحجاج «المخالفين لأنظمة الحج» وتعددت جنسياتهم، إلا أن «المخالفة» هي القاسم المشترك في ما بينهم، إما جهلاً من البعض، أو عمداً من البعض الآخر، إذ بدا الجهل على الحاج أنور محمد (باكستاني الجنسية) من خلال حديثه إلى «الحياة»، إذ قدم إلى مكة وهو يجهل الكثير من تنظيمات الحج وبالأخص تنظيم التصاريح والحملات، قائلاً: «إنني هنا لوحدي ولا أتبع أية حملة حج، وهو ما جعلني أرتمي في ظلال الأبنية واللوحات ابتعاداً عن لهيب الشمس الحارق». فيما يعتقد الحاج سيد أحمد (مصري الجنسية) وهو يتحدث إلى «الحياة» أن الحاج لابد أن يعاني في الحج لكي يتضاعف له الأجر، ما دفعه للحج من دون تصريح، مضيفاً: « أتيت إلى الحج ولابد أن أشعر بالتعب لكي يعظم ثوابي بإذن الله، خصوصاً في هذه الأجواء الحارة وتحت لهيب الشمس الحارقة، وأصبح وجود الظل هو شغلي الشاغل وأبحث عنه وانتقل معه حيث انتقاله». ولصغر وضيق مكان الظل، اتفق الحاج محمد إحسان (هندي الجنسية) مع صديقه على أن يتبادلا الراحة تحت الظل، فينعم بالظل قليلاً حتى يشعر أنه ارتاح من لهيب الشمس، ليقوم ويرتاح صديقه من بعده. فيما أظهرت شمس «منى» الحارقة شيئاً من مظاهر الإيثار والحب، فها هو الحاج أمجد نظيم يؤثر على نفسه أن ينعم بظل ويترك زوجته تحت لهيب الشمس، فلم يترك لها المكان فقط بل استخدم جسده لها عازلاً من حرارة الشمس.