قلّلت أوساط سياسية إسرائيلية من شأن اتساع رقعة الخلاف والتلاسن العلني بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو والبيت الأبيض على خلفية مواصلة إسرائيل مشاريعها الاستيطانية في القدسالمحتلة. ونقلت الإذاعة العامة عن هذه الأوساط قولها إن التوتر بين الرئيس باراك أوباما ونتانياهو «على الملف الفلسطيني» ليس جديداً، مشيرة في الآن ذاته إلى أن العلاقات بين البلدين في مجالي الأمن والتعاون المخابراتي «ممتازة». في غضون ذلك، كشفت صحيفة «هآرتس» عن مواجهة عنيفة شهدها اجتماع نتانياهو بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الثلثاء الماضي على خلفية رفض الأخير طلب نتانياهو إرجاء الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق أممية في شأن قصف إسرائيل مكاتب «وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين» (أونروا) في قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة وقتل مئات الفلسطينيين الأبرياء الذين لجأوا إليها. انتقادات أميركية ورفض نتانياهو ما جاء في بيان الناطق باسم البيت الأبيض، الذي صدر بعد ساعتين من لقائه أوباما، جاء فيه أن إعلان إسرائيل تكثيف الاستيطان في حي سلوان في القدسالمحتلة ونيتها بناء 2610 شقق سكنية جديدة في حي «غفعات همطوس» الاستيطاني المقام على أراضي بيت صفافا المتاخمة لبيت لحم «تسمم الأجواء». وأضاف أن مواصلة الاستيطان «تستدعي التشكيك في التزام إسرائيل السلام وتبعدها عن أقرب حليفاتها». وأشار إلى أن شراء البيوت في حي سلوان «تم على يد أفراد مرتبطين بجمعية (العاد الاستيطانية) تتبنى أجندة تغذي التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وممارسات كهذه تسهم فقط في تصعيد التوتر المتفاقم أصلاً». نتانياهو يرد ولم يتردد نتانياهو في الرد على «الزجر الأميركي» بمثله حين طلب من الأميركيين «معرفة التفاصيل» قبل اتخاذ موقف. ووصف مضمون البيان بالمستهجن وغير المنطقي. وقال صحافيون مرافقون لنتانياهو إن بيان البيت الأبيض أحرج رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي ادعى قبل صدوره أن الاجتماع مع أوباما كان ودياً، وأن العلاقة بينهما مثلها مثل «علاقة زوجين». ورد نتانياهو خلال إيجاز للصحافيين الأميركيين، إنه لا يفهم الانتقاد ولا يقبل بالموقف الأميركي. وقال إن البناء في القدس ليس بناء استيطانياً، وأن الحديث هو عن الأحياء المختلفة في القدس، في إشارة إلى اعتبار إسرائيل القدس بشطريها الشرقي المحتل والغربي موحدة. وأضاف أن العرب يشترون شققاً في القدس الغربية، ولا أحد يمنعهم من ذلك، «وأنا لا أعتزم أن أقول لليهود إنه يحظر عليهم شراء شقق في القدسالشرقية... ويحق لهم شراء الشقق حيث يختارون... هذه أملاك خاصة، ولا نقبل بالتمييز سواء ضد العرب أو اليهود... هذا يتعارض والقيم التي نؤمن بها وتؤمن بها الولاياتالمتحدة أيضاً». وأردف أن شراء المنازل الفلسطينية في حي سلوان تم عبر أفراد وليس بمبادرة الحكومة، وأن «أحداً لم يسرق هذه البيوت أو صادرها»، متجاهلاً التقارير الرسمية التي أكدت أن جمعيات استيطانية متطرفة وراء امتلاك البيوت في الحي، وحقيقة أن زعيم حزب المستوطنين «البيت اليهودي» نفتالي بينيت احتفل في الحي بشراء البيوت العشرة الأخيرة، وتباهى بأن حي سلوان أصبح للمرة الأولى في تاريخه ذا غالبية يهودية. وهاجم نتانياهو حركة «سلام الآن» اليسارية التي ترصد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، معتبراً أنها هي التي سرّبت المعلومات عن المخطط الاستيطاني الجديد بهدف التخريب على لقائه أوباما، وقال إن سلوكها «يتسم بانعدام المسؤولية الوطنية». وأضاف إن اللقاء بأوباما تطرق إلى مسألة الاستيطان «لكن عموماً»، وأن النبرة لم تكن حادة، مضيفاً أنه تم تبليغ الأميركيين مسبقاً بشراء البيوت في حي سلوان، لكن ليس عن مخطط البناء في «غفعات همطوس». «سلام الآن» تتهم نتانياهو من جانبها، اتهمت حركة «سلام الآن» نتانياهو ب»ببيع المصالح الإسرائيلية إرضاءً للمستوطنين». وأشار الموقع الإلكتروني ل «القناة الثانية» في التلفزيون الإسرائيلي إلى أن تصريحات الحركة تأتي رداً على اتهام نتانياهو للحركة بعدم المسؤولية الوطنية. وأضافت الحركة على لسان سكرتيرها العام ياريف اوبنهايمر «أنه من عدم المسؤولية الوطنية الذهاب إلى البيت الأبيض للحديث عن تأييد حل الدولتين، بعد موجة من المصادقات التي لا تتوقف عن البناء في المستوطنات، فنتانياهو هو الذي يفتقد المسؤولية الوطنية». وأضاف إن «خطوة بلدية الاحتلال ببناء 2261 وحدة استيطانية هو ليس إجراء فنياً فقط، كما ادّعى نتانياهو، بل هو الخطوة الأخيرة قبل طرح عطاءات البناء لبدء العمل في المنطقة». وتابع أن «الإعلان عن خطة البناء لم تأت لتخريب العلاقات مع الولاياتالمتحدة بل هو إجراء روتيني تقوم به الحركة في شكل دائم، فلو اجتمع نتانياهو مع أوباما قبل أسبوع لكان الحديث عن سلوان، ولو قبل ذلك لكان الحديث عن غوش عتصيون، فماذا تريدون منا أن ننتظر حتى تتفكك فكرة حل الدولتين أمام عيوننا من دون أن نفعل شيء لمنع ذلك؟». وأشار إلى أن «نتانياهو هو الذي ألحق الضرر بالعلاقات مع الولاياتالمتحدة، وليس حركة سلام الآن، فهو الذي يصدر الأوامر للبناء في القدس، وهو الذي يصدر الأوامر بمصادرة الأراضي، وهو الذي يبيع مصالح إسرائيل الاستراتيجية إرضاءً لمصالح المستوطنين». وأضاف: «سنبقى الأمناء لفكرة حل الدولتين حتى النهاية، ولن نسمح لرئيس الحكومة أن يخدع الإسرائيليين بالحديث عن تأييده لحل الدولتين من جانب، ومن الجانب الآخر يصادق على البناء في المستوطنات، حتى ولو تعرضنا إلى الانتقادات الشديدة، وعلى نتانياهو أن يقرر هل هو مع المستوطنات، وليقل ذلك صراحة، أم أنه مع حل الدولتين وليقل ذلك أيضاً، أما نحن فسنستمر في كشف جميع عمليات البناء في المستوطنات، فهذه هي مهمتنا». ودافع رئيس البلدية الإسرائيلية للقدس نير بركات عن قرار البناء الاستيطاني الجديد، وقال إنه لا ينبغي على إسرائيل أن تعتذر على بنائها وتطويرها عاصمتها بهدف تقويتها. من جهتها، أعربت وزيرة القضاء تسيبي ليفني عن قلقها من سلوك «البيت اليهودي» الذي يتزعمه بينيت «الذي يعرّض المشروع الصهيوني إلى الخطر، تماماً كما يعرض حل الصراع للخطر». وقالت للإذاعة العامة إن هذا السلوك أخطر بكثير من سلوك حركة «سلام الآن». وتابعت: «من أجل الحفاظ على القدس والتكتلات الاستيطانية الكبرى في إطار اتفاق مستقبلي، ينبغي على إسرائيل التصرف بحكمة وتفادي خطوات من شأنها أن تقضم التأييد العالمي الذي تحظى به». وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أشارت أمس إلى أن أوباما استهل لقاءه مع ضيفه، بعد خروج الكاميرات، ليوبخه بعد أن نما إلى سمعه المشروع الاستيطاني الجديد في «غفعات همطوس»، ثم سأله كيف يستوي هذا الاستيطان المتواصل مع «رؤيته للسلام». ونقلت عن مسؤول أميركي قوله إن أوباما شعر بأن إسرائيل «تبصق في وجهه» بإعلانها المخطط الاستيطاني الجديد، وأنها ليست المرة الأولى التي تتصرف على هذا النحو. وتابعت أن الزجر الأميركي مقلق نظراً لحاجة إسرائيل للولايات المتحدة لإفشال مشروع القرار الفلسطيني الذي قدمته السلطة الفلسطينية لمجلس الأمن ويطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدسالشرقية خلال سنتين. في السياق ذاته، قال وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان إن توجه الفلسطينيين إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار في شأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي خلال عامين «لن يدفع نحو حل الصراع». واعتبر الخطوة «استفزازية» من جانب رئيس السلطة الفلسطينية «الذي يريد من ورائها تعزيز مكانته داخل الحلبة الفلسطينية». ... ومواجهة مع بان إلى ذلك، أفادت صحيفة «هآرتس» أن الأمين العام للأمم المتحدة تحدث بغضب وانفعال شديدين خلال لقائه نتانياهو في نيويورك عن قصف الطيران الإسرائيلي مكاتب «أونروا» في القطاع وقتل الأبرياء الذين احتموا بها. وقال: «لا يعقل أن تنشب كل بضع سنوات حرب تخلّف الدمار والقتل». وأثار هذا الكلام حفيظة نتانياهو الذي رد بخطاب مطول قال فيه إن إسرائيل كانت تدافع عن نفسها، وأنها حاولت قدر المستطاع تفادي قتل مدنيين فلسطينيين أبرياء»، موجهاً سؤالاً استنكارياً إلى بان: «كيف كنت تتصرف لو أُطلقت النيران على كوريا الجنوبية من كوريا الشمالية». ودعاه إلى التحقيق مع «حماس» بداعي أنها هي التي ارتكبت جرائم حرب وأطلقت الصواريخ من داخل المدارس ومنشآت الأممالمتحدة. وأضافت الصحيفة أن النقاش احتدم بين الرجلين في أعقاب إصرار بان على تشكيل لجنة تحقيق أممية لفحص المجزرة التي وقعت في مكاتب المنظمة الأممية في غزة.